للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينقص فيخسر ويندم. فهكذا عمره في هذه الحياة هو الذي يربح إذا استغله في الخير والعلم والعمل الصالح، ويخسر في ضد ذلك، فيجب على العاقل أن يهتم بشغل فراغه فيما يعود عليه بالفائدة العائدة عليه بالخير في دنياه وأخراه، متذكرا أنه مسئول ومحاسب عن زمانه، كما روي عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع- أو عن خمس- عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به (١)».

فقد ذكر من هذه الخصال العمر كله، وخص الشباب مع أنه من جملة العمر، وذلك أن عادة الشباب ميلهم إلى اللهو واللعب والبطالة وإضاعة الوقت، ومن لم يكن منهم كذلك فهو محل غرابة وعجب، حيث مال عن ما يقتضيه الصبا والجهل، ولهذا ورد في الحديث عن عقبة بن عامر رفعه: «عجب ربك من الشاب ليست له صبوة (٢)» فمتى ترك الشاب هواه وما يتمناه فإن نفسه تميل عادة إلى اللهو واللعب والمرح والبطالة، فمتى مكنه وليه من مراده فإنه ينهمك في ذلك، ويغفل عن مصالحه العاجلة والآجلة، وينغمس في دحض الباطل والفساد حتى يتمكن ذلك من نفسه، ولا يشعر بالخسران المبين حتى يعقل ويتفكر ويحتاج إلى نفسه، فحينئذ يبلغ منه الأسف


(١) رواه الترمذي في أول أبواب القيامة عن أبي برزة الأسلمي برقم ٢٤١٩، وعن ابن مسعود برقم ٢٤١٨ وصحح حديث أبي برزة. وحديث ابن مسعود حسن، وشاهده ما قبله.
(٢) رواه الإمام أحمد في المسند ٤/ ١٥١، وابن عدي في الكامل ٤/ ٤٦٥ وفيه ضعف.