أغنياء منهم من لا يستطيعون تثمير ما يملكون، وبجانبهم كثيرون يعوزهم ما ينفقون أو يستثمرون، وإذا جعل الله تعالى لكل أمة شرعة ومنهاجا، فقد بينت التوراة من أحكام المال وتداوله ما يناسب حال بني إسرائيل من الهدى عند إنزالها، ونهت عن أخذ الربا من اليهودي. أما المقترض الأجنبي فثم نص على أخذ الربا منه، ثم جاء القرآن فبين أن اليهود خالفوا عن تحريم الربا، وأنهم انتحلوا كذبا أحكاما نسبوها إلى كتابهم يستبيحون بها أن يبخسوا غيرهم من الأميين أماناتهم، ثم فصل الإسلام شريعته الخالدة في المال، وأكملها وأظهر منها ما لم يبلغه علم اليهود أو غيرهم من كتابهم، فوردت نصوص الإسلام صريحة قطعية تحرم على الدائن أخذ الربا وعلى المدين إيتاءه، ولكنه قصر هذا التحريم على القروض ونحوها، وأخرج منه البيوع الآجلة فلا يعتبر فرق الثمن فيها من ربا الدين، وإنما أطلقت السنة اسم الربا على ما حظرته من بعض أنواع البيوع الخاصة، التي تخلو من خصائص الربا المعهود في القروض، مما يجعل للربا في شأنها معنى الحرمة والمخالفة عن حدود الشريعة في تنظيم التجارة، ويذر الربا لفظا مشتركا في الفقه يطلق على أنواع من المحظورات المختلفة، لكل نوع مصطلحه الخاص وأحكامه المتميزة، التي يجب التحرز من خلطها بغيرها، لتتبين حقيقة التنظيم الإسلامي لما يقابل أبواب الربا من الجوانب الاقتصادية.