للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي ثمنها الحال ١٠٠٠ دينار، لا يجوز بيعها بثمن مؤجل إلى سنة مقداره ١٢٠٠ دينار. ولكننا نجد نص التوراة ينهى عن أخذ المرابحة من الفقير بعد النهي عن أخذ الربا منه، مما يفرق بين ربح النسيئة في شأنه والربا، ويذر حظر المرابحة ناموسيا ومتميزا من الربا، وكذلك منعوا أن يبيع الشخص شيئا ليس عنده إلى أجل بدين مستحق عليه، ومن صور ذلك، أن يشتري يوعز من أخيه أشير كيل قمح بثمن مقداره ٢٥ دينارا مساو لسعر السوق ثم غلا السعر فصار ثمن القمح ٣٠ دينارا، ولما طلب يوعز قبض قمحه ليبيعه ويشتري بثمنه خمرا، قال له أخوه بعني القمح بـ ٣٠ دينارا، أبيعك بها خمرا إلى أجل بسعره الحاضر في السوق ولم يكن الخمر عنده وقتئذ، فإن شراء أشير القمح بأكثر مما باعه وقبل قبضه لا يعتبر من الربا عند الأحبار، ويلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى من اشترى طعاما عن أن يبيعه قبل قبضه وسمى الصحابة مثل هذا البيع ربا، ويكون بيع يوعز القمح لأخيه من قبل أن يقبضه منه بعد شرائه محظورا في الإسلام على خلاف ما عند اليهود. وإنما يجد الأحبار الربا في بيع أشير الخمر الذي ليس عنده، حيث تحمل خطر الزيادة في ثمن الخمر حين يشتريه مقابل حصوله على تأجيل الدين الذي استحق عليه. ويحرم بذلك بيع الأشياء المستقبلة من قبل أن يكون سعرها بالسوق قد تحدد. وكذلك اعتبروا من الربا شراء القمح قبل أن تظهر سنابله والعنب قبل أن تبدو عناقيده، خوفا من أن يكون البيع بثمن أقل من قيمته حين نضجه، فتكون ثم زيادة محتملة للمشتري (١) وطبقوا ذلك حينا على القرض ذاته، إذ رأوا لجوازه أن يكون غير مؤجل كمن يقترض كيل قمح حتى يجد مفتاح مخزنه أو يعود ابنه إلى البيت، ولا يجوز أن يقترضه ليرده في موسم درسه، لاحتمال أن يرتفع سعر القمح، فيفيد المقرض من زيادة تشابهت عليهم مع الربا، ولكن التلمود ألغى هذا الخطر والتزم حد الربا الناموسي، الذي يقصر التحريم في القرض على رد كمية أكبر مما اقترض المدين، وجعلت المشنا أجرة العمل كرأس مال المقرض، إذ حظرت مبادلة العمل في الحرث والعزق بين الجيران، إذا كان العمل اللاحق أشق من العمل السابق.

ولكنهم لم يجعلوا إجارة العقار كبيعه في شأن الربا، فأباحوا لمؤجره إذا أجل قبض الأجرة إلى آخر العام بدلا من استيفائها مشاهرة، أن يتقاضى من مستأجر العقار زيادة على مجموع ما كان يعجله من أجرة كل شهر.

ولا يزال لتلك الخاصية التي تجمع في تحريم الربا بين القرض والبيع تأثيرها في القوانين الأوروبية الغربية، كما أثرت في الكنائس المصلحة من قبل، ولا ينفك مشرعو تلك البلاد يرون بائعي النسيئة في مرابحتهم كالمقرضين في رباهم، ويسلكون الطائفتين جميعا في نصوص مكافحة الربا، ويفرضون ألا تجاوز الزيادة في الأثمان المؤجلة الحد الأقصى لما أجازته قوانينهم من الربا.

ويجادل المشتغلون ببيوع النسيئة في اعتبارهم كالمرابين، باستدلال اقتصادي يظاهر الفرق القانوني بين القرض والبيع، ويستند إلى ما يتحمله بائع النسيئة من نفقة وما يتعرض له مخاطر هلاك ضمانه من السلعة المبيعة، مما لا يتعرض لمثلها المقرض بالربا (٢)


(١) الربا عند اليهود، للأستاذ عاشور: ص٤٥
(٢) a vente a credit Robert sommade paris ١٩٥٩. p.p.٢٩-٣٢