للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب، فقال: " أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة". فقال: " لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا (١)». وقيل فيما يقترن بالبيع " الناجش آكل الربا" وهو الذي لا يريد شراء السلعة، ولكنه يتظاهر بالرغبة فيها ليرفع السعر على من يسوم شراءها.

وكذلك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا (٢)» كما قال: «إن من أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم (٣)» وروي عن الصحابة رضوان الله عليهم قولهم: إن من اشترى طعاما فباعه قبل أن يقبضه مخالفا نهي السنة، فبيعه عندهم ربا كما قال أحدهم: " إن الرهن في السلم هو الربا المضمون وقال آخر: " السلم بما يقوم به السعر ربا، ولكن السلم في كيل معلوم إلى أجل" (٤). ويجيء على هذا الإطلاق قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إن من الربا بيع التمر وهي معصفة قبل أن تطيب" فقد بين معنى الربا الذي يقصده أمير المؤمنين من البيوع المحرمة، ولا ينصرف إلى ربا الديون الذي يعلم عمر ماهيته وحرمته بالدليل القطعي في القرآن، ولا يجوز أن يعرض بأمر أو نهي في شأنه يغير ما فرض الله.

ويتضح بتحديد الربا المقصود وجه قول عمر: " ثلاث وددت لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من الربا" وكذلك ما نسب إليه من قوله رضي الله عنه: " إني لعلي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم، وآمركم بأشياء لا تصلح لكم، وإن من آخر القرآن نزولا آية الربا، وإنه قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبينه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم".

كما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه «لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس ثم حرم التجارة في الخمر (٥)»،.

فأبواب الربا التي كان عمر يود بيانها هي كتحريم تجارة الخمر كلها من محظورات البيوع ونحوها، التي بينت السنة أحكام كثير منها. وبقيت أحكام سائرها يستنبطها المجتهدون على هدي الكتاب والسنة، وما يستظهرونه من حقيقة كل معاملة منها وما تحققه من المصالح المشروعة، وفي ذلك ما يحفظ المرونة اللازمة في التشريعات الاقتصادية والتجارية الإسلامية، لتواجه ما يستحدث من التصرفات في مختلف العصور والأمصار.

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الربا تسعة وتسعون بابا، أدناها كإتيان الرجل بأمه» يعني الزنا بأمه، وفي حديث رواه أحمد أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لدرهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله تعالى من ستة وثلاثين زنية في الخطيئة (٦)» وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا (٧)». . . ومعنى الموبقات المهلكات.


(١) نيل الأوطار للشوكاني، ج٥ ص١٦٦، والحديث رواه البخاري ومسلم
(٢) سنن أبو داود البيوع (٣٥٤١)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٦١).
(٣) سنن أبو داود الأدب (٤٨٧٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٩٠).
(٤) نيل الأوطار للشوكاني، ج٥ ص١٩١ و١٩٢ و١٩٤، وزكي الدين بدوي، ص ٢٧ هـ ١
(٥) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٥٤٠)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٨٠)، سنن النسائي البيوع (٤٦٦٥)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٢٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٦٩).
(٦) مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٢٥).
(٧) صحيح البخاري الوصايا (٢٧٦٧)، صحيح مسلم الإيمان (٨٩)، سنن النسائي الوصايا (٣٦٧١)، سنن أبو داود الوصايا (٢٨٧٤).