ومن قال: إن العقوبات المالية منسوخة، وأطلق ذلك، فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا، فأكثر هذه المسائل سائغ في مذهب أحمد وغيره، وكثير منها سائغ عند مالك. وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل أيضا لدعوى نسخها. والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم، إلا أن يقول أحدهم: مذهب أصحابنا عدم جوازها. فمذهب أصحابه عيار على القبول والرد. ماذا ارتفع عن هذه الطبقة ادعى أنها منسوخة بالإجماع. وهذا خطأ أيضا. فإن الأمة لم تجمع على نسخها ومحال أن ينسخ الإجماع السنة، ولكن لو ثبت الإجماع لكان دليلا على نص ناسخ.
قال ابن رشد في كتاب البيان له: ولصاحب الحسبة الحكم على من غش في أسواق المسلمين في خبز أو لبن أو عسل أو غير ذلك من السلع بما ذكره أهل العلم في ذلك. فقد قال مالك في المدونة:" إن عمر بن الخطاب كان يطرح اللبن المغشوش في الأرض " أدبا لصاحبه. وكره ذلك في رواية ابن القاسم، ورأى أن يتصدق به. ومنع من ذلك في رواية أشهب، وقال: لا يحل ذنب من الذنوب مال إنسان، وإن قتل نفسا. وذكر ابن الماجشون عن مالك -في الذي غش اللبن- مثل الذي تقدم في رواية أشهب. قال ابن حبيب: فقلت لمطرف وابن الماجشون: فما وجه الصواب عندكما فيمن غش أو نقص