للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك شيء مغشوش لم يغشه هو وإنما اشتراه أو وهب، له أو ورثه، فلا خلاف أنه لا يتصدق بشيء من ذلك. والواجب أن يباع ممن يؤمن أن يبيعه من غيره مدلسا به، وكذلك ما وجب أن يتصدق به من المسك والزعفران يباع على الذي غشه.

وقول ابن القاسم في أنه لا يتصدق من ذلك إلا بالشيء اليسير أحسن من قول مالك؛ لأن الصدقة بذلك من العقوبات في الأموال، وذلك أمر كان في أول الإسلام.

ومن ذلك: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مانع الزكاة: «إنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا (١)»، وروي عنه «في جريبة النخل: " أن فيها غرامة مثلها وجلدات نكال (٢)»، وما روي عنه: «أن من وجد يصيد في حرم المدينة شيئا فلمن وجده سلبه (٣)».

ومثل هذا كثير، نسخ ذلك كله. والإجماع على أنه لا يجب، وعادت العقوبات في الأبدان، فكان قول ابن القاسم أولى بالصواب استحسانا. والقياس: أنه لا يتصدق من ذلك بقليل ولا كثير، انتهى كلامه.

وقد عرفت أنه ليس مع من ادعى النسخ نص ولا إجماع.

والعجب أنه قد ذكر نص مالك وفعل عمر، ثم جعل قول ابن القاسم أولى، ونسخ النصوص بلا ناسخ. فقول عمر وعلي والصحابة ومالك وأحمد أولى بالصواب، بل هو إجماع الصحابة. فإن ذلك اشتهر عنهم في قضايا متعددة جدا، ولم ينكره منهم منكر، وعمر يفعله بحضرتهم، وهم يقرونه ويساعدونه عليه،


(١) سنن النسائي الزكاة (٢٤٤٤)، سنن أبو داود الزكاة (١٥٧٥)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٤)، سنن الدارمي الزكاة (١٦٧٧).
(٢) سنن النسائي قطع السارق (٤٩٥٩).
(٣) سنن أبو داود المناسك (٢٠٣٨).