للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يربحه رأس المال بالاستغلال المشروع في يد الدائن، ويأثم المدين، ولو زاد ما يؤديه من الربا على ما يكسب من استثمار القرض.

وإذا كان القرآن يأمر الكاتب ألا يأبى أن يكتب الديون المؤجلة، كما أمر الشهداء ألا يأبوا الشهادة حين يدعون إليها، فإن الكاتب والشهود لا يتحلل أحدهم من هذا الأمر فحسب، إذا وجد الدين مقترنا بالربا، بل يحرم على كل واحد منهم بمجرد علمه بالربا، أن يكتب العقد أو يشهد عليه. وإذ يقوم الرهن مقام الكتابة في توثيق الدين، فإن من يرهن ماله ضمانا لدين ربا استدانه غيره، وكذلك من يكفل هذا الدين، يكون كلاهما قد شارك في الإثم وأعان عليه، ويناله نصيبه من جزاء الربا، آثاما وعقوبة كالكاتب والشهيد.

وجزاء الربا في الحياة الآخرة، هو بنص الكتاب، النار التي أعدت للكافرين، وإذ لم يرد نص شرعي على عقوبة مقدرة للربا، خلافا للزنى الذي فرض فيه الحد، وللقتل الذي كتب فيه القصاص، فإن جريمة الربا تجزى بعقوبة التعزير، حيث يفوض القاضي في اختيار نوع العقوبة ومقدارها المناسبين لكل جان ردعا ونكالا.

وقد صرح القرآن بحرب من امتنع من المتعاملين بالربا عن أكله، وآذنهم بالقتال حتى يذروه، ولا يجوز للحاكم أن يقر أحدا على أكل الربا ولا إيتائه، ولو كان ذميا من اليهود الذين يدينون بجواز أخذ الربا ممن سواهم أو من النصارى المصلحين الذين يقرون الربا في غير ديون الفقراء (١). .

وقد نص فيما صالح عليه النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران من الجزية، على ألا يأكلوا الربا، كما روي أن «رسول الله عليه الصلاة والسلام كتب إلى مجوس هجر: إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله».

ولا يخل بالتزام الحاكم هذا المنع، ما له من حق العفو عن بعض من اقترف شيئا من المعاملات الربوية، وفقا لما يقدره من ظروف التعزير لحق الله تعالى، الذي عهدت الأمة إليه النظر في إقامته، بما يكف شرور الربا وأضراره بمصالحها المختلفة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وحرمة الربا تجعل ما يشترط منه غير مستحق شرعا، فلا يجوز للدائن أن يطالب بالربا ولا أن يأخذ ما يقدمه المدين منه، وإن أصاب شيئا وجب عليه رده في كل حال، ولو كان يتيما أو قاصرا، بلا خلاف عند علماء المسلمين، كما لا يجوز للمدين أن يلتزم الربا، ويحرم عليه أداؤه، وإن أداه وجب استرداده أو خصمه من رأس المال، إن كان الدين لما يتم وفاؤه. ولا يقتصر وجوب الرد على الفتوى ديانة، بل يحكم به القضاء وينفذ الحكم في مال الدائن، وإن مات الدائن استوفي ما أخذه من الربا من تركته مع سائر ديونه، قبل أن يصيب الورثة شيئا منها (٢)


(١) معجم كارنبرج، المرجع السابق ص٥٤٧
(٢) الفتاوي المهدية، ج٥/ ٣١٧ و٣١٨.