وأما قوله لا يبالي عمن يحكي عن الكلبي وغيره فهو أيضا إشارة إلى الطعن بالرواية عن الضعفاء، لمحل ابن الكلبي من التضعيف، والراوي عن الضعفاء لا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يصرح باسم الضعيف أو يدلسه فإن صرح به فليس فيه كبير أمر روى عن شخص ولم يعلم حاله أو علم وصرح به ليبرأ من العهدة، وإن دلسه فإما أن يكون عالما بضعفه أو لا، فإن لم يعلم فالأمر في ذلك قريب، وإن علم به وقصد بتدليس الضعيف وتغييره وإخفائه ترويج الخبر، حتى يظن أنه من أخبار أهل الصدق وليس كذلك، فهذه جرحة من فاعلها وكبيرة من مرتكبها وليس في أخبار أحمد عن ابن إسحاق ما يقتضي روايته عن الضعيف وتدليسه إياه مع العلم بضعفه حتى ينبني على ذلك قدح أصلا، وجواب ثان: محمد بن إسحاق مشهور بسعة العلم وكثرة الحفظ فقد يميز من حديث الكلبي وغيره مما يجري مجراه ما يقبل مما يرد فيكتب ما يرضاه ويترك ما لا يرضاه، وقد قال يعلى ابن عبيد: قال لنا سفيان الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل له: فإنك تروي عنه، فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه، ثم غالب ما يروى عن الكلبي أنساب وأخبار من أحوال الناس وأيام العرب وسيرهم وما يجري مجرى ذلك مما سمح كثير من الناس في حمله عمن لا تحمل عنه الأحكام، وممن حكى عنه الترخص في ذلك الإمام أحمد، وممن حكى عنه التسوية في ذلك بين الأحكام وغيرها