للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (١). وقد قص الله علينا في القرآن من أنباء الأمم السابقة، وكيف نزل بمن نزل بهم العقاب، وما هي مسبباته، وفي ذلك تنبيه وتحذير للأمم اللاحقة؛ لئلا يضلوا عن سواء السبيل، فيقعوا في مثل ما وقع فيه أولئك القوم، فهو كتاب بشارة ونذارة، ونور وهداية للناس أجمعين، يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين، وما حكاه الله سبحانه عن الحضارات البائدة، والمجتمعات المندثرة، إنما هي عبر ودروس للأجيال اللاحقة، وتذكير لهم بسنن الله الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير، وتحذير لهم من الوقوع في مثل ما وقعوا فيه، من الإغراق في الغفلة وبطر النعمة فيهلكوا مع الهالكين. فالإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان يتخم بالغنى، ويبطر النعم، ويسأم من النمط الواحد للحياة، ويعافه ويزهد فيه، ويتطلع إلى التغيير والتبديل، وذلك للضعف البشري الغالب على طبعه، فبنو إسرائيل مثلا لما أنزل الله عليهم المن والسلوى وهي من ألذ الأطعمة، تمنوا البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل، فعاقبهم الله عقابا أليما على سوء صنيعهم، كما حكى الله لنا ذلك عنهم بقوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (٢)،


(١) سورة يونس الآية ١
(٢) سورة البقرة الآية ٦١