للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعبادة وسلوكا ومعاملة على نحو ما كان عليه سلف هذه الأمة، يؤدي العبد ما عليه من الفرائض، ويسعى في مناكب الأرض للابتغاء من فضله، فلا تنافر في الإسلام بين الدين والحياة، فكل عمل مؤطر بإطار الشرع يعتبر عبادة لله وعملا صالحا يثاب عليه العبد عند ربه، ولو كان من حظوظ النفس وشهواتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله، أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر (١)»، وكذلك سائر الأعمال؛ لأن الدين دين الفطرة، كما قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (٢)، ومن تأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه أدرك هذا المعنى، ولقد كان الوافد يفد على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة فينطق بالشهادتين، ويصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الفرائض ويأخذ هيئات الصلاة عنه عمليا عن طريق المعاينة ثم يعود إلى قومه داعيا ومعلما وهذا منتهى البساطة واليسر والفطرية. ومن النماذج الحية لذلك، ذلك الرجل الذي سمع النداء للصلاة فجاء من ضيعته وربط بعيره عند باب المسجد ودخل في الصلاة مع الجماعة فرأى الإمام أطال صلاته فانسل من الصف وصلى لنفسه صلاة خفيفة، ثم أخذ بعيره وانصرف، فخاض الناس في أمره واتهموه بالنفاق، ولما علم


(١) صحيح مسلم الزكاة (١٠٠٦)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ١٦٨).
(٢) سورة الروم الآية ٣٠