للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم.

وأول من ابتدعها فيما بلغنا هم الفاطميون في القرن الرابع الهجري، وهم معروفون بالعقيدة الفاسدة وإظهار التشيع لأهل البيت والغلو فيهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (١)». أي، مردود عليه. وقال في حديث آخر: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (٢)».

ففي هذين الحدثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها وقد قال الله سبحانه في كتابه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (٣) وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٤) وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (٥) وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (٦) وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٧).

والآيات في هذا المعنى كثيرة، وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقرب إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة. . كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم (٨)» رواه مسلم في صحيحه. ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم وأكملهم بلاغا ونصحا، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم. فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء بل هو من المحدثات في الدين التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته، كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين.

وقد جاء في معناهما أحاديث أخر مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (٩)». . " رواه الإمام مسلم في صحيحه. والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة. وقد صرح جماعة من


(١) صحيح البخاري الصلح (٢٦٩٧)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١٨)، سنن أبو داود السنة (٤٦٠٦)، سنن ابن ماجه المقدمة (١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٥٦).
(٢) سنن الترمذي العلم (٢٦٧٦)، سنن ابن ماجه المقدمة (٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٢٦)، سنن الدارمي المقدمة (٩٥).
(٣) سورة الحشر الآية ٧
(٤) سورة النور الآية ٦٣
(٥) سورة الأحزاب الآية ٢١
(٦) سورة التوبة الآية ١٠٠
(٧) سورة المائدة الآية ٣
(٨) صحيح مسلم الإمارة (١٨٤٤)، سنن النسائي البيعة (٤١٩١)، سنن أبو داود الفتن والملاحم (٤٢٤٨)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٥٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٩١).
(٩) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٧٧)، سنن الدارمي المقدمة (٢٠٧).