للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأسا، ولا يرى أنه أتى منكرا عظيما. ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف المعاصي والذنوب، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين. .

ومن ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر الموالد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال تعالى في سورة المؤمنون: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (١) {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (٢) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول مشفع (٣)». . " عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.

فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.

أما الصلاة والسلام على رسول الله فهي من أفضل القربات، ومن الأعمال الصالحات، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (٤) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا (٥)». . " وهي مشروعة في جميع الأوقات، ومتأكدة في آخر كل صلاة، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة، منها ما بعد الآذان، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام، وفي يوم الجمعة وليلتها، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة.

والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة، والحذر من البدع، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. . . .


(١) سورة المؤمنون الآية ١٥
(٢) سورة المؤمنون الآية ١٦
(٣) صحيح مسلم الفضائل (٢٢٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥٤٠).
(٤) سورة الأحزاب الآية ٥٦
(٥) صحيح مسلم الصلاة (٣٨٤)، سنن الترمذي المناقب (٣٦١٤)، سنن النسائي الأذان (٦٧٨)، سنن أبو داود الصلاة (٥٢٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٦٨).