للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظيم من أصول الإسلام، وهي الأصل الثاني في إثبات الأحكام الشرعية وبيان الحلال والحرام، وهي الوحي الثاني، كما أجمع العلماء أيضا على أن من جحد كون السنة أصلا معتبرا يرجع إليه في الأحكام وزعم أنه يكتفي بالقرآن عنها فهو كافر مرتد عن الإسلام، وقد صنف في ذلك الحافظ السيوطي رسالة سماها "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" ذكر فيها الأدلة من الكتاب والسنة والآثار على وجوب تعظيم السنة والأخذ بها، وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، كما ذكر فيها إجماع العلماء على كفر من أنكر السنة وزعم أنه لا يحتج إلا بالقرآن، ولا شك أن من أنكر السنة فقد أنكر القرآن وكذبه؛ لأن القرآن الكريم قد أمر في مواضع كثيرة بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، وعلق الرحمة والهداية ودخول الجنة والنجاة من النار على ذلك. . وقد كتبنا في هذا المقام مقالا أبسط من هذا البيان ننشره قريبا إن شاء الله.

فالواجب على فخامة العقيد أن يعلن توبته إلى الله سبحانه من إنكاره ما أنكر من السنة وأن يعلن التزامه بما صح منها عند أهل العلم، كأحاديث الصحيحين وغيرها مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا، وهنا أمر عظيم يهم القراء المسلمين يتعلق بفخامة العقيد، ويجب علينا التنبيه عليه وبيان حكمه، وهو أن الكاتبة الإيطالية (ميريلا بيانكو) قد ذكرت في كتابها (القذافي رسول الصحراء) ص ٢٤١ عن فخامة العقيد ما يدل على أنه يدعي أنه رسول من رسل الله، وقد خاطبته في الصفحة المذكورة بقولها له: يا رسول الله، أكنت راعي غنم؟ فأجابها بقوله: بلى، فلم يكن هناك نبي لم يفعل ذلك. وهذا الجواب يقتضي إقراره لها على أنه رسول الله، لأنه لم ينكر عليها ولم يقل: لست برسول، ومعلوم أن دعوى الرسالة أو النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كفر أكبر، وضلال عظيم، وردة عن الإسلام بإجماع المسلمين؛ لأن ذلك تكذيب لقول الله عز وجل {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (١) وتكذيب لما تواترت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على أنه خاتم النبيين والمرسلين، لا نبي بعده ولا رسول، وقد قاتل الصحابة رضي الله عنهم من ادعى النبوة بعده، واعتبروه كافرا حلال الدم والمال؛ كالأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، والمختار بن أبي عبيد الثقفي، وقد أجمع علماء الأمة إجماعا قطعيا على أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين والمرسلين لا نبي بعده ولا رسول، وقد كفر العلماء في عصرنا وقبل عصرنا مرزا غلام القادياني لما ادعى النبوة، وكفروا من صدقه في ذلك. .

فالواجب على فخامة العقيد أن يعلن في وسائل الإعلام تكذيبه لما زعمته هذه الإيطالية، وأنه يبرأ إلى الله من ذلك إن كان ذلك لم يقع منه، فإن كان قد وقع منه فالواجب عليه إعلان التوبة النصوح من ذلك، ومن تاب تاب الله عليه كما دل على ذلك كتاب الله المجيد وسنة رسوله الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، ومن قول الله سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} (٢) {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (٣) فبين سبحانه أنه لا بد من إعلان التوبة وبيان ما كتم من الحق، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «التوبة تهدم ما كان قبلها». والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ونسأل الله أن يهدينا وإياه سواء السبيل، وأن يمن علينا وعليه وعلى سائر المسلمين بالتوبة النصوح من جميع الذنوب، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.


(١) سورة الأحزاب الآية ٤٠
(٢) سورة البقرة الآية ١٥٩
(٣) سورة البقرة الآية ١٦٠