للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذلك باطل؛ لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وظهور المعجزات على محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية، صار العقل متهما غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة، فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معا وأنه باطل، ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال: إنها غير صحيحة، أو يقال: إنها صحيحة، إلا أن المراد منها غير ظواهرها. . . (١)

والحاصل أن عامة المتبعين لابن كلاب من المتأخرين يجعلون العقل أصل التلقي في مسائل الإلهيات ويجعلون النقل تابعا، ثم إن أهل التصوف منهم يضيفون الكشف والذوق كمصادر للتلقي، فيقدمونها على النص، ويؤولون النص ليوافقهم (٢). وكل هذه الطرق مخالفة للحق الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم.

والواجب تقديم النص والنقل على ما عداه، فإنه وحي الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأما العقل فإنه يخطئ ويصيب، ولا يجوز جعله عمدة التلقي فضلا


(١) أساس التقديس للرازي (١٦٨، ١٧٣).
(٢) الرسالة اللدنية للغزالي ضمن مجموعة القصور العوالي (١/ ١١٤ - ١١٨).