للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسألة وما أورده من حجج لتأييد ما ذهب إليه وما ساقه من نصوص وقواعد تشهد لما اختاره، يدرك شيئا مما وهب الله لهذا العالم الجليل والفقيه النحرير من مقدرة عجيبة لسوق الأدلة في المسألة التي يبحثها، وفهم ثاقب وتحليل دقيق للنصوص.

كما يلحظ من إيراد الاحتمالات التي يمكن أن تؤمر به الحائض، الأفق الواسع، والنظرة الشاملة، بل الإحساس المرهف بأحوال أولئك المضطرين ومدى معاناتهم.

وقبل أن أشير إلى الرأي الذي أختاره أنبه إلى أمر يكون توطئة لهذا الاختيار وهو: أن ابن القيم رحمه الله أورد هذه المسألة ضمن الأمثلة التي أوردها على تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.

فقال: " المثال السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر وقال: «واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت (١)» فظن من ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان، ولم يفرق بين حال القدرة والعجز ولا بين زمن إمكان الاحتباس لها حتى تطهر وتطوف وبين الزمن الذي لا يمكن فيه ذلك، وتمسك بظاهر النص. . . " (٢).

وأشار إلى أن هناك من فرق في هذه المسألة، فلم يجعله حكما عاما، بل غير الحكم بما يتناسب مع تغير الأحوال والأزمان. فقال: ". . . قالوا: وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم


(١) صحيح البخاري الحيض (٢٩٤)، صحيح مسلم الحج (١٢١١)، سنن النسائي الطهارة (٢٩٠)، سنن أبو داود المناسك (١٧٨٢)، سنن ابن ماجه المناسك (٢٩٦٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٧٣).
(٢) إعلام الموقعين ٣/ ٢٥، ٢٦.