للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيا: أما الاستدلال على سنديتها بضرورة تغطيتها جميعا بذهب أو فضة أو بهما معا فقد سبق القول بأن الحاجة إلى تغطيتها جميعها ليست ملحة، وإنه يكفي تغطية بعضها، فإنا نجد أن الغالب في النقد الورقي أنه غير مغطى بنقد معدني، وإنما غطاؤه التزام سلطاني بضمان قيمته في حال تعرضه للبطلان، وإذن فلا يصلح هذا الدليل سندا لهذا القول.

ثالثا: أما انتفاء القيمة لهذه الأوراق فقد سبق لنا تعريف النقد بأنه أي شيء يلقى قبولا عاما كوسيط للتبادل كما سبقت الإشارة إلى بعض أقوال أهل العلم الشرعي المؤيدة لهذا التعريف، وعليه فمتى ثبت للأوراق النقدية القابلية العامة لتكون وسيطا فلا فرق بين أن تكون قيمتها في ذاتها أو في خارج عنها، ويؤيد هذا أن سلطات سك النقود المعدنية جرت على أن تجعل للنقود المعدنية قيما أكثر من قيمتها الذاتية حفاظا على بقائها ومنعا من صهرها سبائك معدنية، ومتى كنا نرى جزءا من قيمة النقد المعدني ليس له مقابل إلا الالتزام السلطاني ولم نقل بأن الزيادة على قيمته الذاتية سند على الدولة فليبطل القول بأن الأوراق النقدية سند على الدولة على أن هذا القول لا يعني انتفاء مسئولية الدولة عن الهيمنة على ثبات قيمتها في حدود المستوى الاقتصادي العام أو ضمان قيمتها في حال إبطالها.

رابعا: أما ضمان سلطات إصدارها قيمتها وقت إبطالها وتحريم التعامل بها فهذا سر اعتبارها والثقة بتمولها وتداولها، إذ أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما هي في ضمان السلطات لها وليس في هذا دلالة على اعتبارها أسنادا بديون على مصدريها ما دام الوفاء بسدادها نقدا معدنيا عند الطلب مستحيلا.

على أن القول بسنديتها من الحرج والضيق وإيقاع الناس في مشقة عظيمة في معاملاتهم ما يتنافى مع المقتضيات الشرعية لا سيما بعد أن عم التعامل بهذه الأوراق بين الشعوب الإسلامية وأصبحت هي العملة الوحيدة الرائجة السائدة وما عداها من أنواع النقود فقد كاد ترك استعمالها وسيطا للتبادل يسلبها صفة النقد وأحكامه.

ومن الأصول العامة في الشريعة الإسلامية أن الأمر الذي لم ينص على حكمه إذا دار بين ما يقتضي التشديد على الناس وما يقتضي التخفيف عليهم في عباداتهم ومعاملاتهم ترجح جانب التخفيف على جانب التشديد {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (١) وقوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (٢) وقوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} (٣) وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده والنسائي


(١) سورة الحج الآية ٧٨
(٢) سورة البقرة الآية ١٨٥
(٣) سورة النساء الآية ٢٨