وقال أبو عمرو الداني (في كتابه المسمى الحكم في النقط) عقيب قول مالك هذا: ولا مخالف لمالك في ذلك من علماء الأمة، ا. هـ.
فالذي أراه هو أن تطبع المصاحف التي تتخذ لأجل التلاوة برسم المصحف الإمام الذي كتبه الصحابة عليهم الرضوان حفظا لهذا الأثر التاريخي العظيم الذي هو أصل ديننا كما هو، لكن مع النقط والشكل للضبط. ولو كان لمثل الأمة الإنكليزية هذا الأثر، لما استبدلت به ملك كسرى وقيصر، ولا أسطول الألمان الجديد الذي هو شغلها الشاغل اليوم. وأما الألواح والأجزاء وكذا المصاحف التي تطبع لأجل تعليم الصغار بها في الكتاتيب، فلتطبع بالرسم المصطلح عليه اليوم من كل وجه تسهيلا للتعليم، ومتى كبر الصغير وكان متعلما للقرآن بالرسم المشهور لا يغلط إذا هو قرأ في المصاحف المطبوعة برسم الصحابة مع زيادة النقط والشكل. وكذلك يكتب القرآن في أثناء كتب التفسير وغيرها بالرسم الاصطلاحي ليقرأه كل أحد على وجه الصواب. وبهذا تجمع بين حفظ أهم شيء في تاريخ ديننا، وبين تسهيل التعليم وعدم اشتباه القارئين.
أما ما احتج به العز بن عبد السلام على رأيه فليس بشيء، لأن الاتباع إذا لم يكن واجبا من الأصل، فإن فرق بين الآن الذي قال فيه ما قال، وبين ما قبله وما بعده، بل يكتب الناس القرآن في كل زمن بما يتعارفون عليه من الرسم، وإذا كان واجبا في الأصل وهو ما لا ينكره فترك الناس له لا يجعله حراما أو غير جائز، لما ذكره من الالتباس بل لا يزال هذا الالتباس في أنه لا يسلم له.
وأما ما طبعه المسلمون من المصاحف في الأستانة وقزان ومصر وغيرها من البلاد غير متبعين فيه رسم المصحف الإمام في كل الكلمات، فسببه التهاون والجهل والاعتماد على بعض المصاحف الخطية التي كتبت قبل عهد الطباعة، فرسم فيها بالرسم المعتاد الكلمات التي يظن أنه يقع الاشتباه فيها إذا هم كتبوها كما كتبها الصحابة كلفظ " الكتاب" بالألف بعد التاء، وهو في المصحف الإمام بغير ألف ليوافق في بعض الآيات قراءة الجمع فكتبوه بالألف. ولم أر مصحفا كتب أو طبع كله بالرسم المعتاد.
ونحمد الله تعالى أن وفق بعض الناس إلى طبع ألوف من المصاحف برسم الصحابة المتبع، وأحسن المصاحف التي طبعت في أيامنا هذه ضبطا وموافقة للمصحف الإمام المتبع هو المصحف المطبوع في مطبعة محمد أبي زيد بمصر سنة ١٣٠٨ إذ وقف على تصحيحه وضبطه الشيخ رضوان بن محمد المخللاتي أحد علماء هذا الشأن وصاحب المصنفات فيه. وقد وضع له مقدمة بين فيها ما يحتاج إليه في ذلك. فالذي أراه أنه ينبغي للجنة القرآنية أن تراجع هذا المصحف، فإنها تجد فيه حل