للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والظاهر أنه سبب الغلاء لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعتهم على بلد يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون. ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها ويكتمها ويطلبها المحتاج ولا يجدها إلا قليلا فيرفع في ثمنها ليحصلها فتغلو الأسعار ويحصل الإضرار بالجانبين جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه فيكون حراما انتهى ذكر ذلك ابن قدامة (١).

القول الثاني: أنه يجوز التسعير وهذا القول رواه أشهب عن مالك. قال الباجي: وروى أشهب عن مالك في العتبية في صاحب السوق يسعر على الجزارين لحم الضأن ثلث رطل ولحم الإبل نصف رطل وإلا أخرجوا من السوق قال إذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس به ولكن أخاف أن يقوموا من السوق (٢).

ووجه هذا القول ما يجب من النظر في مصالح العامة والمنع من إغلاء السعر عليهم والإفساد عليهم وليس يجبر الناس على البيع وإنما يمنعون من البيع بغير السعر الذي يحده الإمام على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمبتاع ولا يمنع البائع ربحا ولا يسوغ له منه ما يضر بالناس انتهى (٣).

القول الثالث: إنه يجوز إذا تعدى أرباب الطعام تعديا فاحشا وبهذا قال بعض الحنفية ومن وافقهم من أهل العلم جاء في كنز الدقائق وشرحه تبيين الحقائق: ولا يسعر السلطان إلا أن يتعدى أرباب الطعام عن القيمة تعديا فاحشا انتهى (٤) وفي إتحاف ذوي الأبصار والبصائر: بتبويب كتاب الأشباه والنظائر: وقال في التنبيه يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام وعليه فروع: منها التسعير عند تعدي أرباب الطعام في بيعه بغبن فاحش (٥).

وجاء في توجيه ذلك أن الثمن حق البائع فكان إليه تقديره فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه إلا إذا كان أرباب الطعام يتحكمون على المسلمين ويتعدون تعديا فاحشا وعجز السلطان عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير فلا بأس به بمشورة أهل الرأي والنظر (٦). انتهى.

ويمكن أن يستدل لذلك أيضا بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الاحتكار وعلة النهي ظلم الناس بمنعهم عن الوصول إلى ما يحتاجونه من أقوات وشبهها وهل علة منصوصة في هذا الباب فيقاس التسعير على الاحتكار بجامع هذه العلة وهي رفع الأسعار دون موجب.


(١) الشرح الكبير ٤/ ٤٤
(٢) المنتقى شرح الموطأ / ٥/ ١٨
(٣) المنتقى شرح الموطأ / ٥/ ١٨
(٤) كنز الدقائق وشرحه / ١/ ٢٨ ويرجع إلى الدار المنتقى / ٢/ ٤٨.
(٥) الاتحاف / ٤٦٦
(٦) كنز الدقائق وشرحه تبيين الحقائق / ٦/ ٢٨