للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من النار فليحملها أو يذرها (١)» متفق على صحته من حديث أم سلمة رضي الله عنها، ومعنى هذا أنه قد يجتهد في الحكم حسب القواعد الشرعية؛ لأنه لم ينزل عليه فيه شيء، فمن عرف أن الحكم ليس بمطابق، وأن الشهود زور؛ فقد أخذ قطعة من النار، فليحذر ذلك وليتق الله في نفسه، ولو كان الرسول هو الحاكم عليه؛ لأن الحاكم ليس له إلا الظاهر من ثقة الشهود وعدالتهم، أو يمين المدعى عليه، فإذا كان المدعي أحضر شهودا يعلم أنهم قد غلطوا ولو كانوا تقاة وأن الحق ليس له، أو يعلم أنهم شهود زور ولكن القاضي اعتبرهم عدولا؛ لأنهم عدلوا عنده وزكوا لديه، فإن هذا المال الذي يحكم به له أو القصاص كله باطل بالنسبة إليه لعلمه ببطلانه، وهو قد تعدى حدود الله وظلم، وإن حكم له القاضي؛ لأن القاضي ليس له إلا الظاهر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار (٢)» والنبي صلى الله عليه وسلم يحكم بما أنزل الله فيما أوصاه الله إليه، وما لم يكن فيه نص اجتهد فيه عليه الصلاة والسلام حتى تتأسى به الأمة، وهو في ذلك كله يعتبر حاكما بما أنزل الله؛ لكونه حكم بالقواعد الشرعية التي أمر الله أن يحكم بها، ولهذا قال للزبير بن العوام رضي الله عنه لما ادعى على شخص في أرض: «شاهداك أو يمينه فقال الزبير: إذا يحلف يا رسول الله ولا يبالي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لك إلا ذلك (٣)» متفق عليه «ولما بعث معاذا وفدا إلى اليمن قال له: إن عرض لك قضاء فبم تحكم؟ قال: أحكم بكتاب الله، قال: فإن لم تجد قال: فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن لم تجد. قال: أجتهد رأيي ولا


(١) صحيح البخاري الأحكام (٧١٦٩)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١٣)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٣٩)، سنن النسائي كتاب آداب القضاة (٥٤٢٢)، سنن أبو داود الأقضية (٣٥٨٣)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٠٧)، موطأ مالك الأقضية (١٤٢٤).
(٢) صحيح البخاري الحيل (٦٩٦٧)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١٣)، سنن النسائي آداب القضاة (٥٤٠١)، سنن أبو داود الأقضية (٣٥٨٣)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٢٠)، موطأ مالك الأقضية (١٤٢٤).
(٣) صحيح البخاري الرهن (٢٥١٦).