المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق.
وكذلك من وجب عليه شراء شيء للعبادات، كآلة الحج، ورقبة العتق، وماء الطهارة؛ فعليه أن يشتريه بقيمة المثل، ليس له أن يمتنع عن الشراء إلا بما يختار. وكذلك فيما يجب عليه من طعام أو كسوة لمن عليه نفقته إذا وجد الطعام، أو اللباس الذي يصلح له في العرف بثمن المثل، لم يكن له أن ينتقل إلى ما هو دونه حتى يبذل له ذلك بثمن يختاره، ونظائره كثيرة؛ ولهذا منع غير واحد من العلماء كأبي حنيفة وأصحابه القسام الذين يقسمون العقار وغيره بالأجر أن يشتركوا لأنهم إذا اشتركوا والناس محتاجون إليهم أغلوا عليهم الأجر، فمنع البائعين الذين تواطئوا على أن لا يبيعوا إلا بثمن قدروه أولى، وكذلك منع المشترين إذا تواطئوا على أن يشتركوا، فإنهم إذا اشتركوا فيما يشتريه أحدهم حتى يهضموا سلع الناس أولى أيضا.
فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعا من السلع أو تبيعها قد تواطأت على أن يهضموا ما يشترونه فيشترونه بدون ثمن المثل المعروف، ويزيدون ما يبيعونه بأكثر من الثمن المعروف، وينموا ما يشترونه، كان هذا أعظم عدوانا من تلقي السلع، ومن بيع الحاضر للبادي، ومن النجش، ويكونون قد اتفقوا على ظلم الناس حتى يضطروا إلى بيع سلعهم وشرائها بأكثر من ثمن المثل، والناس يحتاجون إلى ذلك وشرائه، وما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس، فإنه يجب أن لا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة.
ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة ناس، مثل حاجة الناس إلى الفلاحة، والنساجة، والبناية؛ فإن الناس لا بد لهم من طعام يأكلونه، وثياب يلبسونها، ومساكن يسكنونها، فإذا لم يجلب لهم من الثياب ما يكفيهم كما كان يجلب إلى الحجاز على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كانت الثياب تجلب إليهم من اليمن ومصر والشام وأهلها كفار وكانوا يلبسون ما نسجه الكفار ولا يغسلونه، فإذا لم يجلب إلى ناس البلد ما يكفيهم احتاجوا إلى من ينسج لهم الثياب، ولا بد لهم من طعام إما مجلوب من غير بلدهم، وإما من زرع بلدهم، وهذا هو الغالب وكذلك لا بد لهم من مساكن يسكنونها، فيحتاجون إلى البناء، فلهذا قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم كأبي حامد الغزالي وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهم: إن هذه الصناعات فرض على الكفاية، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بها، كما أن الجهاد فرض على الكفاية، إلا أن يتعين فيكون فرضا على الأعيان، مثل أن يقصد العدو بلدا، أو مثل أن يستنفر الإمام أحدا.
وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين، مثل طلب كل واحد علم ما أمره الله