للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيع، وحكى بعض المالكية ذلك إجماعا، لأن حق الشريك في نصف القيمة كما دل عليه هذا الحديث الصحيح، ولا يمكن إعطاؤه ذلك إلا ببيع الجميع، فإذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء من ملك مالكه بعوض المثل لحاجة الشريك إلى إعتاق ذلك، وليس للمالك المطالبة بالزيادة على نصف القيمة، فكيف بمن كانت حاجته أعظم من الحاجة إلى إعتاق ذلك النصيب؟ مثل حاجة المضطر إلى الطعام واللباس وغير ذلك.

وهذا الذي أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من تقويم الجميع بقيمة المثل هو حقيقة التسعير، وكذلك يجوز للشريك أن ينزع النصف المشفوع من يد المشتري بمثل الثمن الذي اشتراه به، لا بزيادة للتخلص من ضرر المشاركة والمقاسمة، وهذا ثابت بالسنة المستفيضة وإجماع العلماء، وهذا إلزام له بأن يعطيه ذلك الثمن لا بزيادة، لأجل تحصيل مصلحة التكميل لواحد، فكيف بما هو أعظم من ذلك ولم يكن له أن يبيعه للشريك بما شاء، بل ليس له أن يطلب من الشريك زيادة على الثمن الذي حصل له به، وهذا في الحقيقة من نوع التولية، فإن التولية أن يعطي المشترى السلعة لغيره بمثل الثمن الذي اشتراها به وهذا أبلغ من البيع بثمن المثل، ومع ها فلا يجبر المشتري على أن يبيعه لأجنبي غير الشريك إلا بما شاء إذ لا حاجة بذلك إلى شرائه كحاجة الشريك.

فأما إذا قدر أن قوما اضطروا إلى سكنى في بيت إنسان إذا لم يجدوا مكانا يأوون إليه إلا ذلك البيت فعليه أن يسكنهم، وكذلك لو احتاجوا إلى أن يعيرهم ثيابا يستدفئون بها من البرد، أو إلى آلات يطبخون بها، أو يبنون أو يسقون: يبذل هذا مجانا، وإذا احتاجوا إلى أن يعيرهم دلوا يستقون به، أو قدرا يطبخون فيها، أو فأسا يحفرون به، فهل عليه بذله بأجرة المثل لا بزيادة؟.

فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد وغيره، والصحيح وجوب بذل ذلك مجانا إذا كان صاحبها مستغنيا عن تلك المنفعة وعوضها، كما دل عليه الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (١) {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (٢) {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} (٣) {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (٤) وفي السنن عن ابن مسعود قال: كنا نعد " الماعون" عارية الدلو والقدر والفأس.

وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لما ذكر الخيل قال: «هي لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر؛ فأما الذي هي له ستر فرجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها (٥)» وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من حق الإبل إعارة دلوها وأضراب فحلها (٦)» وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه «نهى عن عسب الفحل (٧)» وفي الصحيحين عنه أنه قال: «لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره (٨)» وإيجاب بذل هذه المنفعة مذهب أحمد وغيره.


(١) سورة الماعون الآية ٤
(٢) سورة الماعون الآية ٥
(٣) سورة الماعون الآية ٦
(٤) سورة الماعون الآية ٧
(٥) صحيح البخاري المساقاة (٢٣٧١)، صحيح مسلم الزكاة (٩٨٧)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (١٦٣٦)، سنن النسائي الخيل (٣٥٦٣)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٧٨٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٨٤)، موطأ مالك كتاب الجهاد (٩٧٥).
(٦) صحيح مسلم الزكاة (٩٨٨)، سنن النسائي الزكاة (٢٤٥٤)، سنن الدارمي الزكاة (١٦١٦).
(٧) صحيح البخاري الإجارة (٢٢٨٤)، سنن الترمذي البيوع (١٢٧٣)، سنن النسائي البيوع (٤٦٧١)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٤).
(٨) سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣٣٦)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٨٠).