انقلبت على أعقابها؛ فمنهم من ارتد بالكلية، ومنهم من منع الزكاة، فاشرأبت اليهودية والنصرانية ونجم النفاق، إلا أن ذلك لم يثن الدعاة المخلصين ولم يفت في عضدهم، بل عرفوا كيف يتعاملون مع هذه الفتنة، وأدركوا بيقين تام أن الله تعالى ناصر الدعوة ومطفئ نار الفتنة، فعملوا جاهدين وضاعفوا الجهود بدلا من الاستسلام، واستطاعوا بفضل الله أولا ثم باجتهادهم ثانيا أن يقضوا على الفتنة، ثم بعد ذلك نشروا الدعوة في البلاد المجاورة وقضوا على القوى العظمى الكافرة في زمانهم.
وإن احتياج الدعاة المعاصرين إلى هذه الصفة احتياج ملح، بل هو ضرورة ماسة؛ لأن الداعية يواجه الناس بما يخالف معتقداتهم ومفهوماتهم في الحياة وأنواع سلوكهم بغية إقناعهم للتحول عن اتجاهاتهم التي هم فيها، والسلوك في صراط الله المستقيم عقيدة وعملا.
ومعلوم أن مفهومات الإنسان وعقائده وأنواع سلوكه جزء من ذاتيته التي يمتلكها وحده، فهو لا يتنازل عنها ما لم يقتنع بالبدائل الأفضل له لينبذها ويأخذ الأفضل ويستمسك به.
ومن طبيعة الناس أنهم حينما يجدون من يعلن خلاف معتقداتهم ومفهوماتهم في الحياة وأنواع سلوكهم، يقفون منه موقف الحذر، ما لم يجدوا الداعي يتحلى بقوة اليقين من دعوته وقوة الإرادة والوثوق من نفسه بما يدعو إليه مع الثبات ورباطة الجأش في إطار الحكمة عند العرض والبيان، فإنهم يشعرون عندئذ بأنه ناصح لهم،