للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام دعا ربه عز وجل أن يجعل ذريته موحدين مقيمين للصلاة التي هي من أخص وأفضل العبادات الدينية، ودعاه أيضا أن يجعل أفئدة - أي قلوبا - من الناس تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه، فأجاب الله تعالى دعاء خليله، فأخرج من ذرية إسماعيل محمدا - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنبياء والمرسلين وإمام الموحدين، فدعا إلى الدين الإسلامي وإلى ملة إبراهيم، فاستجابوا وصاروا مقيمين للصلاة. وافترض الله حج هذا البيت وجعل فيه سرا عجيبا جاذبا للقلوب، فهي تحجه ولا تقضي منه وطرا على الدوام، بل كلما أكثر العبد التردد إليه ازداد إليه شوقه وعظم ولعه وتوقه. وجعل سبحانه هذا البلد أيضا آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء، فإنك ترى مكة كل وقت والثمار فيها متوفرة والأرزاق تتوالى إجابة لدعوة خليله عليه السلام وفضلا منه سبحانه على هذا البلد الحرام وأهله.

ومن خصائص هذا البلد أيضا أنه بلد حرام حرمه الله. ففي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها (١)» متفق عليه.

ومن خصائصه أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما عداه. فعن ابن الزبير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي (٢)» رواه أحمد وابن خزيمة


(١) صحيح البخاري الحج (١٥٨٧)، صحيح مسلم الحج (١٣٥٣)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٨٩٢)، سنن أبو داود المناسك (٢٠١٧)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٥٩).
(٢) صحيح البخاري الجمعة (١١٩٠)، صحيح مسلم الحج (١٣٩٤)، سنن الترمذي الصلاة (٣٢٥)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٨٩٩)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٤٠٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٨٥)، موطأ مالك النداء للصلاة (٤٦١).