قال: «إن ربي قال لي: إني منزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظانا (١)». فلو غسل بالماء من المصاحف لم يغسل من القلوب، ولو أخفيت بعض قراطيسه كما هي الحال في التوراة والإنجيل وغيرهما لما خفي الأمر على المسلمين فضلا عن حفاظهم.
بل إن من كمال الحق ما شهد به الأعداء فلقد قال (السير وليم موير) وهو أحد خصوم الإسلام حسبما حكاه عنه الدكتور حسنين هيكل في كتابه (حياة محمد): ومع ما أدى إليه مقتل عثمان نفسه من قيام شيع متعصبة ثائرة زعزعت ولا تزال تزعزع وحدة العالم الإسلامي، فإن قرآنا واحدا قد ظل دائما قرآنها جميعها، وهذا الإسلام منها جميعا إلى كتاب واحد على اختلاف العصور حجة قاطعة على أن ما أمامنا اليوم إنما هو النص الذي جمع بأمر الخليفة السيئ الحظ. والأرجح أن العالم كله ليس فيه كتاب غير القرآن ظل اثني عشر قرنا كاملا بنص هذا مبلغ صفائه ودقته.
وقال في موضع آخر: والنتيجة التي نستطيع الاطمئنان إلى ذكرها هي أن مصحف زيد وعثمان لم يكن دقيقا فحسب، بل كان كما تدل عليه الوقائع كاملا، وأن جامعيه لم يتعمدوا إغفال أي شيء من الوحي. ونستطيع كذلك أن نؤيد استنادا إلى أقوى الأدلة أن كل آية من القرآن دقيقة في ضبطها كما تلاها محمد.
وقال هيكل بعد ذلك: أطلنا في اقتطاف عبارات (سير وليم موير)، على أن ما اقتطفناه يغنينا عن ذكر ما كتبه (الأب لامنسي) و (فون هامر) ومن يرون هذا الرأي من المستشرقين، هؤلاء جميعا يقطعون بدقة القرآن الذي نتلوه اليوم، وبأنه يحتوي على
(١) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٢٨٦٥)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٦٢).