للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وسلم - عمم وأطلق ولم يقيد، وإذا كان الإسبال من أجل الخيلاء صار الإثم أكبر والوعيد أشد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم: «ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة (١)»، ولا يجوز أن يظن أن المنع من الإسبال مقيد بقصد الخيلاء؛ لأن الرسول لم يقيد ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديثين المذكورين آنفا، كما أنه لم يقيد ذلك في الحديث الآخر وهو قوله لبعض أصحابه: «وإياك والإسبال فإنه من المخيلة»، فجعل الإسبال كله من المخيلة، لأنه في الغالب لا يكون إلا كذلك، ومن لم يسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك، والوسائل لها حكم الغايات، ولأن ذلك إسراف وتعريض لملابسه للنجاسة والوسخ، ولهذا ثبت عن عمر - رضي الله عنه - أنه لما رأى شابا يمس ثوبه الأرض قال له: «ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك (٢)».

أما قوله لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لما قال: «يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له - صلى الله عليه وسلم: (إنك لست ممن يفعله خيلاء) (٣)»، فمراده - صلى الله عليه وسلم - أن من يتعاهد ملابسه إذا استرخت حتى يرفعها لا يعد ممن يجر ثيابه خيلاء لكونه لم يسبلها، وإنما قد تسترخي عليه فيرفعها ويتعاهدها ولا شك أن هذا معذور، أما من يتعمد إرخاءها سواء كانت بشتا أو سراويل أو إزارا أو قميصا فهو داخل في الوعيد وليس معذورا في إسباله ملابسه، لأن الأحاديث الصحيحة المانعة من الإسبال تعمه بمنطوقها وبمعناها ومقاصدها. فالواجب على كل مسلم أن يحذر الإسبال وأن يتقي الله في ذلك، وألا تنزل ملابسه عن كعبه عملا بهذا الحديث الصحيح، وحذرا من غضب الله وعقابه. والله ولي التوفيق.


(١) صحيح البخاري المناقب (٣٦٦٥)، صحيح مسلم اللباس والزينة (٢٠٨٥)، سنن الترمذي اللباس (١٧٣١)، سنن النسائي الزينة (٥٣٣٥)، سنن أبو داود اللباس (٤٠٨٥)، سنن ابن ماجه اللباس (٣٥٦٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٦٧)، موطأ مالك الجامع (١٦٩٦).
(٢) صحيح البخاري كتاب المناقب (٣٧٠٠).
(٣) صحيح البخاري اللباس (٥٧٨٤)، سنن النسائي الزينة (٥٣٣٥)، سنن أبو داود اللباس (٤٠٨٥).