للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شهد لعمر بذلك عندما استشار الصحابة فيه، وروى مالك والشافعي عنه «أنه قال: أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب (١)» وفي سنده انقطاع، واستدل به صاحب المنتقى وغيره على أنهم لا يعدون أهل كتاب، وليس بقوى فإن إطلاق كلمة أهل الكتاب على الطائفتين من الناس لتحقق أصل كتبهما وزيادة خصائصهما لا يقتضي أنه ليس في العالم أهل كتاب غيرهم مع العلم بأن الله بعث في كل أمة رسلا مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، كما أن إطلاق لقب " العلماء" على طائفة معينة من الناس لها مزايا مخصوصة لا يقتضي انحصار العلم فيهم وسلبه عن غيرهم.

وقد ورد في روايات أخرى التصريح بأنهم كانوا أهل كتاب، قال في نيل الأوطار عند قول صاحب المنتقى واستدل بقوله سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل كتاب ما نصه: لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي " كان المجوس أهل كتاب يدرسونه وعلم يقرءونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال إن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسرى على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء. وروى عبد بن حميد في تفسير سورة البروج بإسناد صحيح عن ابن أبرى لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر: اجتمعوا (أي قال للصحابة اجتمعوا للمشاورة كما هي السنة المتبعة والفريضة اللازمة) فقال إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم الجزية ولا من عبدة الأوثان فنجرى عليهم أحكامهم. فقال علي: بل هم أهل كتاب فذكره نحوه لكن قال: فوقع على ابنته وقال في آخره فوضع الأخدود لمن خالفه فهذه حجة من قال كان لهم كتاب، وأما قول ابن بطال: لو كان لهم كتاب ورفع لرفع حكمه ولما استثنى حل ذبائحهم ونكاح نسائهم، فالجواب أن الاستثناء وقع تبعا للأمر الوارد لأن في ذلك شبهة تقتضي حقن الدم بخلاف النكاح فإنه يحتاط له وقال ابن المنذر: ليس تحريم نكاحهم وذبائحهم متفقا عليه ولكن الأكثر من أهل العلم عليه. أهـ.

إذا علمت هذا تبين لك أن العلماء لم يجمعوا على أن لفظ (المشركين) و (الذين أشركوا) يتناول جميع الذين كفروا بنبينا ولم يدخلوا في ديننا ولا جميع من عدا اليهود والنصارى منهم، فهذا نقل صحيح في المجوس ومنه تعلم أن للاجتهاد مجالا لجعل لفظ المشركات والمشركين في القرآن خاصا بوثنيي العرب. وأن يقاس عليهم من ليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب يقربهم من الإسلام كما أن أهل الكتاب فيه خاص باليهود والنصارى، ويقاس عليهم من عندهم كتب لا يعرف أصلها ولكنها تقربهم من الإسلام بما فيها من الآداب والشرائع كالمجوس وغيرهم ممن على شاكلتهم، وقد صرح قتادة من مفسري السلف بأن المراد بالمشركين والمشركات في الآية العرب كما سيأتي.


(١) موطأ مالك الزكاة (٦١٧).