للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان هذا في ولاة الأمور كان أشد؛ لما يترتب عليه من التمرد عليهم وحمل السلاح عليهم، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد العباد والبلاد، ولهذا منع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - من منابذتهم فقال: «إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان (١)».

فأفاد قوله: " إلا أن تروا "، أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة. وأفاد قوله: " كفرا " أنه لا يكفي الفسوق ولو كبر، كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار والاستئثار المحرم. وأفاد قوله: " بواحا " أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح، أي صريح ظاهر، وأفاد قوله: " عندكم فيه من الله برهان " أنه لا بد من دليل صريح، بحيث يكون صحيح الثبوت، صريح الدلالة، فلا يكفي الدليل ضعيف السند، ولا غامض الدلالة.

وأفاد قوله: " من الله " أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه القيود تدل على خطورة الأمر.

وجملة القول: أن التسرع في التكفير له خطره العظيم؛ لقول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (٢).


(١) صحيح البخاري الفتن (٧٠٥٦).
(٢) سورة الأعراف الآية ٣٣