للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(أي الصيد) مسلم ومجوسي" أهـ أقول وللشافعي قول آخر: هو أن العبرة بالأب وكان اللائق بقول الشافعية أن الولد يتبع أشرف الأبوين في الدين أن يجعلوا ذبح الصغير كذبح أشرف والديه، وأما البالغ فلا وجه للبحث عن أبويه فإنه إذا كان كتابيا كان داخلا في عموم الآية.

ثم قال (في ص٥٣٧ منه): " وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر (أي عند اليهود) لم يحرم علينا وإن ذبح حيوانا غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهو شحم الثرب (أي الكرش) والكليتين في ظاهر كلام أحمد -رحمه الله- واختاره ابن حامد وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد. واختار أبو الحسن التميمي والقاضي تحريمه. وإن ذبح لعيده أو ليتقرب به إلى شيء مما يعظمونه لم يحرم نص عليه " اهـ أي نص عليه الإمام أحمد وهو المذهب وإن روى عنه التحريم وهو موافق فيه لمذهب مالك -رحمهم الله تعالى-.

وقال: (في ص٥٣٥منه) " الرابع (أي من شروط التذكية) أن يذكر اسم الله عند الذبح وهو أن يقول باسم الله لا يقوم مقامها غيرها إلا الأخرس فإنه يومي إلى السماء. فإن ترك التسمية عمدا لم تبح وإن تركها ساهيا أبيحت وعنه تباح في الحالتين وعنه لا تباح فيهما ".

قال في حاشيته: " قوله فإن ترك التسمية عمدا إلخ هذا هو المذهب فيهما وذكره ابن جرير إجماعا في سقوطها سهوا، وروى ذلك عن ابن عباس وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة وإسحاق. وممن أباح ما نسيت التسمية عليه عطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد، وعن أحمد تباح في الحالين وبه قال الشافعي واختاره أبو بكر لحديث البراء مرفوعا: «المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم» وحديث أبي هريرة أنه سئل فقيل: أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله؟ فقال: اسم الله في قلب كل مسلم. رواه ابن عدي والدارقطني والبيهقي وضعفه، ولنا ما روى الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد مرفوعا: «ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم ما لم يتعمد» لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (١) وجوابه أنها محمولة على ما إذا ترك اسم التسمية عمدا بدليل قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (٢) والأكل مما نسيت التسمية عليه ليس بفسق لقوله عليه السلام: «عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان (٣)» اهـ.

أقول من عجائب انتصار الإنسان لما يختاره جعل الفسق هنا بمعنى ترك التسمية عمدا، والظاهر فيه ما قاله الشافعي من أنه ما أهل لغير الله به أخذا من قوله تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (٤) وقد تقدم. وفي الباب من كتاب بلوغ المرام للحافظ ابن حجر ما نصه: وعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «والمسلم يكفيه اسمه فإن نسي أن يسمى الله حين يذبح فليسم ثم ليأكل» أخرجه


(١) سورة الأنعام الآية ١٢١
(٢) سورة الأنعام الآية ١٢١
(٣) سنن ابن ماجه الطلاق (٢٠٤٣).
(٤) سورة الأنعام الآية ١٤٥