للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يناقض هذا ما سبق في الحال الثالثة من المقام الثاني حيث حكمنا هناك بالحل مع الشك لأننا هناك علمنا بصدور الفعل من أهله وشككنا في شرط حله والظاهر صدوره على وجه الصحة والسلامة حتى يوجد ما ينافي ذلك بخلاف ما هنا فإننا لم نعلم صدور الفعل من أهله والأصل التحريم لكن إن وجدت قرائن ترجح حله عمل بها.

فمن القرائن:

أولا: أن يكون مورده مسلما ظاهره العدالة ويقول: إنه مذبوح على الطريقة الإسلامية فيحكم بالحل هنا لأن حال المسلم الظاهر العدالة تمنع أن يورد إلى المسلمين ما يحرم عليهم ثم يدعي أنه مذبوح على الطريقة الإسلامية.

ثانيا: أن يرد من بلاد أكثر أهلها ممن تحل ذبيحتهم فيحكم ظاهرا بحل الذبيحة تبعا للأكثر إلا أن يعلم أن المتولي للذبح ممن لا تحل ذبيحته فلا يحكم حينئذ بالحل لوجود معارض يمنع الحكم بالظاهر.

قال في المنتهى وشرحه: ويحل حيوان مذبوح منبوذ بمحل يحل ذبح أكثر أهله بأن كان أكثرهم مسلمين أو كتابيين ولو جهلت تسمية ذابح أ. هـ.

وإذا كان الحل في هذا الحل مبنيا على القرائن فالقرائن إما أن تكون قوية فيقوى القول بالحل وإما أن تكون ضعيفة فيضعف القول بالحل وإما أن تكون بين ذلك فيكون الحكم مترددا بين الحل والتحريم.

والذي ينبغي حينئذ سلوك سبيل الاحتياط واجتناب ما يشك في حله لقول النبي صلى الله عليه وسلم «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (١)» وقوله صلى الله عليه وسلم «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه (٢)» وفي رواية «ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان (٣)» متفق عليه.

والله الموفق وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. مهره الفقير إلى الله: محمد صالح العثيمين.


(١) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٨)، سنن النسائي الأشربة (٥٧١١)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٠٠)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣٢).
(٢) صحيح البخاري الإيمان (٥٢)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٩)، سنن الترمذي البيوع (١٢٠٥)، سنن النسائي البيوع (٤٤٥٣)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٢٩)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٨٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٧٠)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣١).
(٣) صحيح البخاري البيوع (٢٠٥١).