الأعمال التي لا يستطيع أحد من الناس تعلمها جميعا والقيام بها، كما أنه لا يستطيع أكثر الناس الاستغناء عنها.
ولكن ينبغي أن لا يزاول هذه الحرف إلا من يتقنها. وينبغي للمكتب الخاص بالحرف أن لا يأذن لأحد بمزاولة أي حرفة يدعيها، ويريد العمل بها حتى يختبره ويعرف قدرته، ومهارته، فيأذن له، أو يمنعه حتى يتقن حرفته، وذلك حفظا لحقوق الناس وأموالهم، ودفعا لأصحاب الحرف إلى التنافس في إتقان حرفهم، بدلا من التنافس في التعهد بالقيام بحرف لا يتقنونها، فيفسدوها على أصحابها، فتحدث النزاعات، وتضيع الأموال بغير حق.
إن العمل الحرفي لهو أشرف الأعمال، حيث إنه عمل باليد، والعمل باليد أطيب الأعمال، وكسبه أطيب المكاسب، كما جاء في حديث المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده (١)». والعمل الحرفي من أوسع ميادين العمل، وطلب الرزق، لذا تعمل فيه أعداد هائلة من الناس نظرا لكثرة مجالاته، ووفر عطائه، ويسر ارتباطه، ومحدودية مسئوليته، ومتعة إنتاجه، وتحصيله السريع. ويجب تعليم وتدريب أعداد كبيرة من أبناء
(١) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب البيوع) باب كسب الرجل وعمله بيده (٣/ ٩). وينظر فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (٤/ ٣٠٤).