للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك، فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج، وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال، وتمسحوا بها واستغاثوا، وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومع هذا المنكر الشنيع، والكفر الفظيع لا تجد من يغضب لله، ويغار حمية للدين الحنيف، لا عالما ولا متعلما، ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا، وقد توارد إلينا من الأخبار - ما لا يشك فيه - بأن كثيرا من هؤلاء القبوريين، أو أكثرهم، إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني، تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق. وهذا من أبين الأدلة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثالث ثلاثة. فيا علماء الدين، ويا ملوك المسلمين، أي رزء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا " (١).

ثم قال الشوكاني هذين البيتين من الشعر:

لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي


(١) نيل الأوطار، ص ٨٣، ٨٤، ج ٤.