للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعذر الجمع بين الحديثين، والجمع بين الحديثين ممكن.

الوجه الثاني: أنه يحتمل أن يكون حديث جدامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما يقولونه، فقد روى الترمذي بسنده إلى «جابر رضي الله عنه قلنا: يا رسول الله إنا كنا نعزل فزعمت اليهود إنها الموءودة الصغرى، فقال صلى الله عليه وسلم: " كذبت اليهود إن الله إذا أراد أن يخلقه فلم يمنعه (١)».

وهذا الحديث أقوى من حديث جدامة لأنه أكثر منه طرقا (٢). وأن الزيادة في آخره وهي: "ذلك الوأد الخفي" تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود، ولم يذكرها أهل السنن الأربعة. وقد جمع ابن القيم رضي الله عنه بين الحديث، وحديث: " كذبت اليهود " فقال: الذي كذبت فيه اليهود النبي صلى الله عليه وسلم هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا، وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه لم يكن، لذلك لم يسمه وأدا حقيقة وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جدامة.

الرأي المختار:

وبعد فإنني أرى أن العزل جائز ولكن مع الكراهة حتى ولو


(١) سنن الترمذي، ٣/ ٤٤٣، كتاب النكاح.
(٢) سبل السلام للصنعاني ٣/ ١٣٦