رواه الشيخان في الصحيحين وغيرهما من حديث سعيد بن زيد، وروى عجزه -وهو من كذب علي إلخ- متواترا، وروى أحمد من حديث عمر مرفوعا «من كذب علي فهو في النار (١)» وهو مطلق لم يقيد بالتعمد، وإسناده صحيح وقياس الكذب على غيره من إخوانه الرسل عليه الصلاة والسلام جلي، فهو أقرب من قياس الكذب على الرسل على الكذب على العجماوات الذي احتج به الحريري، وأشار إلى اتفاق العلماء على جوازه الكذب عليهم يشمل ما يحكى عنهم من أقوال لم يقولوها، وما يسند إليهم من أعمال لم يعملوها.
فإن قيل: إنه يمكن وضع قصة لبعض الرسل يلتزم فيها الصدق في كل ما يحكى عنه أو يسند إليه، قلنا: إن النقل الذي يعتد به عند المسلمين هو نقل الكتاب والسنة، ولا يوجد قصة من قصص الأنبياء في القرآن يمكن فيها ذلك إلا قصة يوسف، وكذا قصة موسى وقصة سليمان مع ملكة سبأ إذا جعل التطويل فيهن في غير الحكاية عنهم، والأولى هي التي يرغب فيها الممثلون ويرجى أن يقبل على حضور تمثيلها الكثيرون، وفيها من النظر الخاص ما بيناه في الوجه الثالث، أما السنة فليس في أخبارها المرفوعة ولا الموقوفة ما يبلغ أن يكون قصة تصلح للتمثيل إلا وقائع السيرة المحمدية الشريفة، والعلماء بها لا يكاد أحد منهم يقدم على جمع طائفة منها وجعلها قصة تمثيلية. وإذا فتح هذا الباب ووجد منهم من يدخله على سبيل الندرة لا يلبث أن يسبقه إليه كثير من الجاهلين بالسنة المتقنين لوضع هذه القصص بالأسلوب الذي يرغب فيه الجمهور فيضعون من قصص الأنبياء المشتملة على الكذب ما يكون أروج عند طلاب الكسب بالتمثيل فيكون وضع الصحيح ذريعة إلى هذه المفسدة.
فعلم من هذه الوجوه أن جواز تمثيل قصة رسول من رسل الله عليهم السلام يتوقف على اجتناب جميع ما ذكر من المفاسد وذرائعها بحيث يرى من يعتد بمعرفتهم وعرفهم من المسلمين أنه لا يعد إزراء بهم، ولا منافيا لما يجب من تعظيم قدرهم صلوات الله وسلامه عليهم وعلى من اهتدى بهم.