للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختلف السلف في كراهيتها فكان عمر بن عبد العزيز يكرهها وكان يقول "التورق أخية الربا" ورخص فيها إياس بن معاوية.

وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان. وعلل الكراهة في إحدهما بأنه بيع مضطر، وقد روى أبو داود عن علي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضطر (١)» وفي المسند عن علي قال: «سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك قال الله تعالى: (٣)» ويبايع المضطرون وقد «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر (٤)» وذكر الحديث.

فأحمد -رحمه الله تعالى- أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد لأن الموسر يضن عليه بالقرض فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة وإن باعها من غيره فهي التورق. ومقصوده في الموضعين: الثمن. فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منه ولا معنى للربا إلا هذا لكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة ولو لم يقصده كان ربا بسهولة.

وللعينة صورة رابعة -وهي أخت صورها- وهي: أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة ونص أحمد على كراهة ذلك فقال: العينة أن يكون عنده المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس.

وقال أيضا: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة فلا يبيع بنقد.

قال ابن عقيل: إنما كره ذلك لمضارعته الربا، فإن البائع بنسيئة يقصد الزيادة غالبا.

وعلله شيخنا ابن تيمية رضي الله عنه بأنه يدخل في بيع المضطر فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجرا من التجار.

وللعينة صورة خامسة: -وهي أقبح صورها وأشدها تحريما - وهي: أن


(١) سنن أبو داود البيوع (٣٣٨٢)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١١٦).
(٢) سنن أبو داود البيوع (٣٣٨٢)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١١٦).
(٣) سورة البقرة الآية ٢٣٧ (٢) {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}
(٤) سنن أبو داود البيوع (٣٣٨٢)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١١٦).