للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (١).

قال صاحب الظلال: " إن لكل نفس كتابا مؤجلا مرسوما، ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم؛ فالخوف، والهلع، والحرص، والتخلف، لا يطيل أجلا، والشجاعة، والثبات، والإقدام، والوفاء، لا يقصر عمرا، فلا كان الجبن، ولا نامت أعين الجبناء، والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد؛ بذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس، فتترك الاشتغال به، ولا تجعله في الحساب، وهي تفكر في الأداء والوفاء بالالتزامات والتكاليف الإيمانية، وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص، كما ترتفع على وهلة الخوف والفزع، وبذلك تستقيم على الطريق بكل تكاليفه وبكل التزاماته، في صبر وطمأنينة، وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده. . " (٢).

ثم يقول: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (٣) إنه لا بد من استقرار هذه الحقيقة في النفس: حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة، محدودة بأجل، ثم تأتي نهايتها حتما. . . يموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت المجاهدون ويموت القاعدون، يموت المستعلون بالعقيدة، ويموت المستذلون للعبيد، يموت الشجعان الذين يأبون الضيم، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن. . يموت ذووا الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية، ويموت التافهون الذين


(١) سورة سبأ الآية ١٤
(٢) في الظلال، جـ١، ص٤٨٧.
(٣) سورة آل عمران الآية ١٨٥