للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسلام أيضا أنه «نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (١)».

ومن هذه الأحاديث وما جاء في معناها يتضح لطالب الحق أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة ليست في ملكه ثم يذهب فيشتريها، بل الواجب تأخير بيعها حتى يشتريها ويحوزها إلى ملكه ويتضح أيضا أن ما يفعله كثير من الناس من بيع السلع وهي في محل البائع قبل نقلها إلى ملك المشتري أو إلى السوق أمر لا يجوز، لما فيه من مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من التلاعب بالمعاملات، وعدم التقيد فيها بالشرع المطهر وفي ذلك من الفساد والشرور والعواقب الوخيمة ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق للتمسك بشرعه والحذر مما يخالفه.

أما الزيادة التي تكون بها المعاملة من المعاملات الربوية فهي التي تبذل لدائن بعد حلول الأجل ليمهل المدين وينظره، فهذه الزيادة هي التي كان يفعلها أهل الجاهلية.

ويقولون للمدين قولهم المشهور: "إما أن تقضي وإما أن تربى" فمنع الإسلام ذلك وأنزل الله فيه قوله سبحانه {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (٢) وأجمع العلماء على تحريم هذه الزيادة وعلى تحريم كل معاملة يتوسل بها إلى تحليل هذه الزيادة مثل أن يقول الدائن للمدين: اشتر مني سلعة من سكر أو غيره إلى أجل ثم بعها بالنقد وأوفني حقي الأول، فإن هذه المعاملة حيلة ظاهرة على استحلال الزيادة الربوية التي يتعاطاها أهل الجاهلية لكن بطريق آخر غير طريقهم.

فالواجب تركها والحذر منها وإنظار المدين المعسر حتى يسهل الله له القضاء كما أن الواجب على المدين المعسر أن يتقي الله ويعمل الأسباب الممكنة المباحة لتحصيل ما يقضي به الدين ويبرئ به ذمته من حق الدائنين.

وإذا تساهل في ذلك ولم يجتهد في أسباب قضاء ما عليه من الحقوق فهو ظالم لأهل الحق غير مؤد للأمانة فهو في حكم الغني المماطل وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مطل الغني ظلم (٣)» وقال: عليه الصلاة والسلام «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته (٤)» والله المستعان.


(١) صحيح البخاري البيوع (٢١٢٤)، صحيح مسلم البيوع (١٥٢٦)، سنن النسائي البيوع (٤٦٠٦)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٩٩)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٥٦)، موطأ مالك البيوع (١٣٣٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٥٩).
(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٠
(٣) صحيح البخاري الحوالات (٢٢٨٧)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٦٤)، سنن الترمذي البيوع (١٣٠٨)، سنن النسائي البيوع (٤٦٩١)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٤٥)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٠٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٨٠)، موطأ مالك البيوع (١٣٧٩)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨٦).
(٤) سنن النسائي البيوع (٤٦٨٩)، سنن أبو داود الأقضية (٣٦٢٨)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٢٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٨٨).