والقسم الثاني: لا يختص بقصد المغابنة وإنما يكون على جهة الرفق وهو القرض.
والقسم الثالث: فهو ما يصح أن يقع على الوجهين جميعا: أعني على قصد المغابنة وعلى قصد الوفق، كالشركة والإقالة والتولية وتحصيل أقوال العلماء في هذه الأقسام، أما ما كان بيعا ويعوض فلا خلاف في اشتراط القبض فيه، وذلك في الشيء الذي يشترط فيه القبض واحد من العلماء. وأما ما كان خالصا للرفق: أعني القرض، فلا خلاف أيضا أن القبض ليس شرطا في بيعه، أعني أنه يجوز للرجل أن يبيع القرض قبل أن يقبضه، واستثنى أبو حنيفة مما يكون بعوض المهر والخلع فقال: يجوز بيعهما قبل القبض، وأما العقود التي تتردد بين قصد الرفق والمغابنة، وهي التولية والشركة والإقالة، فإذا وقعت على وجه الرفق من غير أن تكون الإقالة أو التولية بزيادة أو نقصان، فلا خلاف أعلمه في هذا المذهب أن ذلك جائز قبل القبض وبعده، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تجوز الشركة ولا التولية قبل القبض، وتجوز الإقالة عندهما لأنها قبل القبض فسخ بيع لا بيع، فعمدة من اشترط القبض في جميع المعاوضات أنها في معنى البيع المنهي عنه، وإنما استثنى مالك من ذلك التولية، والإقالة والشركة للأثر والمعنى. وأما الأثر فما رواه من مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه (١)» إلا ما كان من شركة أو تولية أو إقالة وأما طريق المعنى فإن هذه إنما يراد بها الرفق لا المغابنة إذا لم تدخلها زيادة ولا نقصان، وإنما استثنى من ذلك أبو حنيفة الصداق والخلع والجعل، لأن العوض في ذلك ليس بينا إذا لم يكن عينا.
(١) صحيح البخاري البيوع (٢١٢٦)، صحيح مسلم البيوع (١٥٢٦)، سنن النسائي البيوع (٤٥٩٥)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٩٢)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٢٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٥٦)، موطأ مالك البيوع (١٣٣٥)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٥٩).