للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيتولد منها العمل، فإذا صادف أرض القلب مشغولة ببذر الأفكار النافعة فيما خلق له وفيما أمر به وفيما هيء له وأعد له من النعيم المقيم أو العذاب الأليم لم يجد لبذره موضعا) (١) والتفكر أيضا يكشف الفرق بين الوهم والخيال، المانع لأكثر النفوس من انتهاز الفرص بعد إمكانها، وبين السبب المانع حقيقة، فيشتغل به دون الأول، فما قطع العبد عن كماله وفلاحه وسعادته العاجلة والآجلة قاطع أعظم من الوهم الغالب على النفس والخيال الذي هو مركبها، بل بحرها الذي لا تنفك سابحة فيه، وإنما يقطع هذا العارض بفكرة صحيحة، وعزم صادق، يميز به بين الوهم والحقيقة (٢).

ولذلك فالتفكر سبيل المرء إلى العمل، وإدراك حقائق الأشياء، بل إن حياة المرء وسعادته تبع لأفكاره، قال السعدي - رحمه الله -: (واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكارا فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا، فحياتك طيبة سعيدة وإلا فالأمر بالعكس) (٣) ولذلك فإن إعمال الفكر فيما ينفع ويقرب إلى الله من أهم المطالب الدينية.

ولقد حثت آيات عديدة في القرآن العظيم على التفكر، ومدح الله - عز وجل - المتصفين بهذه الصفة في كتابه، في مواضع عديدة ختمت


(١) ابن القيم: مفتاح دار السعادة جـ ١، ص ١٨٣.
(٢) انظر: ابن القيم: مفتاح دار السعادة جـ ١، ص ١٨١.
(٣) عبد الرحمن السعدي، الوسائل المفيدة للحياة السعيدة، ص ٣١.