للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما أن التفكر نور يدخله المرء إلى قلبه. قال سفيان بن عيينة - رحمه الله -: " الفكرة نور تدخله إلى قلبك، كما أنه يظهر على المرء في هيئته وسكونه ووقاره ". وقال وهب بن منبه - رحمه الله -: " المؤمن إذا تفكر علته السكينة " (١).

وأعظم ما يتفكر به المرء وينتفع به كتاب الله تبارك وتعالى، قراءة وتدبرا وتفكرا، ففيه حياة القلوب والأبدان، قال ابن القيم - رحمه الله -: " فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين، ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر ومر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم " (٢).

إن قراءة القرآن بالتفكر أصل صلاح القلب، وكانت عادة السلف أن يقوم أحدهم بالآية يرددها حتى الصباح، وتقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام بآية يرددها إلى أن أصبح، وهي قوله تعالى:


(١) انظر: أبا نعيم، حلية الأولياء، ج٤، ص٦٨
(٢) ابن القيم، مفتاح دار السعادة، ج١ ص ١٨٧