للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطعام وأظنه لم يبلغه هذا الحديث ومثل هذا لا يلتفت إليه، وأما غير ذلك فيجوز بيعه قبل قبضه في أظهر الروايتين ويروى مثل هذا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وسعيد بن المسيب والحكم وحماد والأوزاعي وإسحاق، وعن أحمد رواية أخرى لا يجوز بيع شيء قبل قبضه اختارها ابن عقيل وروى ذلك عن ابن عباس وهذا قول أبي حنيفة والشافعي إلا أن أبا حنيفة أجاز بيع العقار قبل قبضه واحتجوا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه، وبما روى أبو داود «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (١)»، وروى ابن ماجه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء الصدقات حتى تقبض (٢)»، وروى «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عتاب بن أسيد إلى مكة قال: "انههم عن بيع ما لم يقبضوه وعن ربح ما لم يضمنوه» ولأنه لم يتم الملك عليه فلم يجز بيعه كغير المتعين أو كالمكيل والموزون.

ولنا ما روى ابن عمر قال: «كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ بدل الدراهم الدنانير ونبيعها بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء (٣)» وهذا التصرف في الثمن قبل قبضه وهو أحد العوضين، وروى «ابن عمر أنه كان على بعير صعب -يعني لعمر - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "بعنيه" فقال هو لك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت، (٤)» وهذا ظاهره التصرف في المبيع بالهبة قبل قبضه، واشترى من جابر جمله ونقده ثمنه ثم وهبه إياه قبل قبضه، ولأنه أحد نوعي المعقود عليه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالمنافع في الإجارة فإنه يجوز له إجارة العين المستأجرة قبل قبض المنافع، ولأنه مبيع لا يتعلق به حق توفيه فصرح بيعه كالمال في يد مودعه أو مضاربه، فأما أحاديثهم فقد قيل لم يصح منها إلا حديث الطعام وهو حجة لنا بمفهومه فإن تخصيصه الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه يدل على إباحة ذلك فيما سواه، وقولهم لم يتم الملك عليه ممنوع فإن السبب المقتضى للملك متحقق وأكثر ما فيه تخلف القبض، واليد ليست شرطا في صحة البيع بدليل جواز بيع المال المودع والموروث والتصرف في الصداق وعوض الخلع عند أبي حنيفة.


(١) صحيح البخاري البيوع (٢١٢٤)، صحيح مسلم البيوع (١٥٢٦)، سنن النسائي البيوع (٤٦٠٦)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٩٩)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٥٦)، موطأ مالك البيوع (١٣٣٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٥٩).
(٢) سنن ابن ماجه التجارات (٢١٩٦)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٢).
(٣) سنن الترمذي البيوع (١٢٤٢)، سنن النسائي البيوع (٤٥٨٢)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٤)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٦٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٨٣)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨١).
(٤) صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (٢٦١١).