تضم بين دفتيها رسائل في مسائل بعينها، ضاعت أصولها، وحفظتها لنا هذه الكتب.
ويدل هذا الذي تقدم على مبلغ الفائدة التي يجنيها الفقيه والمتفقه من الرجوع إلى هذه التراجم ودراستها، بل إن المثقف المسلم لا يستطيع التعرف إلى صورة كاملة للفكر الإسلامي عبر قرونه المتطاولة إلا إذا عاد إلى كتب التراجم هذه ينبشها، ويلتقط اللمحة، والفكرة إثر الفكرة، حتى يكتمل تصوره لهذا الفكر في مراحله المختلفة، ولا أجد في نفسي اطمئنانا إلى كاتب يتصدر للفكر الإسلامي، وهو مبتوت الصلة بهذا التراث العظيم، بعيد عما فيه من ثروة فكرية، ونماذج للفكر الإنساني الرفيع، فلا بد من عودة إلى تراثنا في هذا الجانب نستلهمه ونفيد منه، ونيسر قراءته للناس.
أما عن جهود العلماء في تسجيل تراجم الفقهاء، فالحديث عنها يطول، وسأقصر حديثي هنا على ما عرفته من المصنفات لأئمة المترجمين للفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة، وهي على الترتيب الزمني: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
ولقد كان الشافعية أسبق رجال المذاهب الفقهية إلى تدوين تراجم رجالهم، وتلاهم في هذا الحنابلة، وتبعهم المالكية أو واكبوهم، ثم جاء الحنفية في آخر المطاف ليسجلوا تراجم رجالهم، ولا ينقص هذا ما ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (١/ ٢٨) من أن الشيخ الإمام أبا بكر الحسن بن محمد بن الحسن الزبيدي النحوي المتوفى سنة ٣٧٩ هـ قد ألف كتابا في أخبار الفقهاء المتأخرين من أهل قرطبة، وأن أبا عمر وأحمد بن محمد قد صنع منتخبا له، فربما كان كتاب الزبيدي في تراجم الفقهاء من المذاهب المختلفة؛ ذلك أننا لا نعرف الشيء الكثير عن المذهب السائد في الأندلس خلال القرن الرابع الهجري، ولا نستطيع القول بأن المذهب المالكي فرض سلطانه على الجزيرة في هذه الفترة المبكرة من حياتها الفقهية.