للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيان أسرار هذه الآية ونكاتها ولطائفها يقول ابن القيم: (ومن فوائد هذه الآية وأسرارها أنه سبحانه إذا ذكر ما يوجبه ويحرمه، يذكره بلفظ الأمر والنهي وهو الأكثر، أو بلفظ الإيجاب والكتابة والتحريم، نحو: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (١) {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (٢) {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} (٣) وفي الحج أتي بهذا النظم الدال على تأكد الوجوب من عشرة أوجه: أنه قدم اسمه تعالى، وقدم عليه لام الاستحقاق والاختصاص، ثم ذكر من أوجبه عليهم بصيغة العموم الداخلة عليها حرف (على)، ثم أبدل منه أهل الاستطاعة، ثم نكر السبيل في سياق الشرط، إيذانا بأنه يجب الحج على أي سبيل تيسرت من قوت أو مال، فعلق الوجوب: بحصول ما يسمى سبيلا، ثم أتبع ذلك بأعظم التهديد بالكفر، فقال: {وَمَنْ كَفَر} (٤) أي: بعد التزام هذا الواجب وتركه، ثم عظم الشأن وأكد الوعيد بإخباره باستغنائه عنه، والله تعالى هو الغني الحميد، ولا حاجة به إلى حج أحد .. ثم أكد ذلك بذكر اسم العالمين عموما، ولم يقل: فإن الله غني عنه، لأنه إذا كان غنيا عن العالمين كلهم، فله الغنى الكامل التام من كل وجه .. وكان أدل على عظم مقته لتارك حقه الذي أوجبه عليه، ثم أكد هذا المعنى بأداة " إن " الدالة على التوكيد " (٥).

وقد جاءت الأحاديث النبوية آمرة بالحج حاثة عليه ومرغبة فيه،


(١) سورة البقرة الآية ١٨٣
(٢) سورة المائدة الآية ٣
(٣) سورة الأنعام الآية ١٥١
(٤) سورة البقرة الآية ١٢٦
(٥) ينظر: بدائع الفوائد ٢/ ٤٥.