للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك من الأنس والراحة والنعيم ما تعجز العبارة عن وصفه. يقول الشاعر:

أخي إن زرت بيت الله تبغي ... رضا أو تشتكي هما وحزنا

ففي تلك الرياض نعيم أنس ... لناء إن دعاه الشوق حنا

ولعل هذا من أسرار عظمة الحج وأثره في النفوس، وقد أبان ذلك الماوردي بقوله: "ثم فرض الحج، فكان آخر فروضه؛ لأنه يجمع عملا على بدن وحقا في مال، فجعل فرضه بعد استقرار فروض الأبدان وفروض الأموال، ليكون استئناسهم بكل واحد من النوعين ذريعة إلى تسهيل ما جمع بين النوعين، فكان في إيجابه تذكير ليوم الحشر بمفارقة المال والأهل، وخضوع العزيز والذليل في الوقوف بين يديه، واجتماع المطيع والعاصي في الرهبة منه والرغبة إليه، وإقلاع أهل المعاصي عما اجترحوه، وندم المذنبين على ما أسلفوه، فقل من حج إلا وأحدث له الحج توبة من ذنب، وإقلاعا من معصية (١).

إن أسرار الحج وحكمه لا يحس بها ولا يعرفها حق المعرفة إلا من أدى حجه على الوجه الأكمل، فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، قال أهل العلم: الحج المبرور هو الذي قام به صاحبه متحريا سنة النبي صلى الله عليه وسلم مع الإخلاص لله عز وجل، وعن جابر


(١) ينظر: أدب الدنيا والدين ص٩٦