للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الملك والتصرف والسعة، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته، وبدره البكاء، فتعرف إليهم، يقال: أنه رفع التاج عن جبهته، وكان فيها شامة، وقال: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} (١) أي: إنما حملكم على هذا الجهل، بمقدار هذا الذي ارتكبتموه، كما قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل، وقرأ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} (٢) إلى قوله: {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣)

والظاهر - والله أعلم - أن يوسف - عليه السلام - إنما تعرف إليهم بنفسه، بإذن الله له في ذلك، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك، والله أعلم، ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر، فرج الله تعالى من ذلك الضيق، كما قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (٤) {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (٥) فعند ذلك قالوا: {أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} (٦) ثم اعترفوا له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق، والسعة والملك، والتصرف والنبوة أيضا. . . وأقروا له بأنهم أساءوا إليه واخطأوا في حقه (٧).

كم يكون حياؤهم وخجلهم من يوسف عندما ذكرهم ما فعلوه به وأخيه، لكن الجهل وتحكيم الهوى، وطاعة النفس الأمارة بالسوء وإتباع خطوات الشيطان؛ تجر الإنسان إلى أعظم من ذلك،


(١) سورة يوسف الآية ٨٩
(٢) سورة النحل الآية ١١٩
(٣) سورة النحل الآية ١١٩
(٤) سورة الشرح الآية ٥
(٥) سورة الشرح الآية ٦
(٦) سورة يوسف الآية ٩٠
(٧) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٣٢.