للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله عز وجل: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} (١) كرر ذكر الخرور للأذقان لاختلاف السبب، فإن الأول: لتعظيم الله سبحانه وتنزيهه. والثاني: للبكاء بتأثير مواعظ القرآن في قلوبهم ومزيد خشوعهم، ولهذا قال: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (٢) أي سماع القرآن خشوعا أي لين قلب ورطوبة عين (٣).

روى الدارمي والطبري عن أبي محمد عبد الأعلى التميمي قال: إن من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق أن لا يكون أوتي علما ينفعه؛ لأن الله نعت العلماء فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} (٤) الآيتين (٥).

وقال القرطبي عند قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} (٦) هذه مبالغة في صفتهم ومدح لهم. وحق لكل من توسم بالعلم وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة، فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذل (٧).

والحكمة من السجود هنا - والله أعلم - اقتداء بأولئك الساجدين، بحيث لا يذكر المسلم سجود أهل الكتاب عند سماع


(١) سورة الإسراء الآية ١٠٩
(٢) سورة الإسراء الآية ١٠٩
(٣) فتح القدير ٣/ ٢٦٤.
(٤) سورة الإسراء الآية ١٠٧
(٥) سنن الدارمي، المقدمة باب من قال: العلم الخشية وتقوى الله ١٠/ ٨٨. وتفسير الطبري ١٥/ ١٨١ - ١٨٢.
(٦) سورة الإسراء الآية ١٠٧
(٧) الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ٣٤١.