وفي العلم بالأدب:
كان المبرد وابن قتيبة والجاحظ وثعلب والفراء، وغيرهم كثير. وهكذا. .
ولا شك في أن أبا داود كان واحدا من هؤلاء العمالقة الأفذاذ في هذا العصر.
وكانت الحضارة قد بدأت تؤتي ثمارها وتنضج نضجا رائعا ترك أطيب الأثر في حياة المسلمين والدنيا كلها.
وما نزال معجبين بهذه الحضارة التي أينعت ثمارها وامتدت ظلالها في هذا القرن فكان هذا التراث العظيم الذي ما زالت الأجيال وستبقى تعيش مفيدة من مائدته.
ولد أبو داود سنة ٢٠٢ في ظل الخليفة العباسي العالم المأمون، وإن استعراض أسماء الخلفاء الذين جاءوا إلى سدة الخلافة خلال حياة أبي داود ليشعرنا بفخامة العصر الذي كان فيه.
فبعد المأمون (ت ٢١٨) جاء للخلافة للمعتصم (ت ٢٢٧) ثم الواثق (ت ٢٣٢) ثم المتوكل (ت ٢٤٧) ثم المنتصر (ت ٢٤٨) ثم المستعين (ت ٢٥٢) ثم المعتز (ت ٢٥٥) ثم المهتدي (ت ٢٥٦) ثم المعتمد على الله (ت ٢٧٩).
وهذا الأخير حجر عليه أخوه الموفق واستبد بالأمر دونه، ولم يصبح خليفة، وللموفق مع أبي داود أخبار سنذكر طرفا منها فيما بعد.
ومن المعروف أن اضطراب شؤون الدولة العباسية قد بدأ بمقتل المتوكل سنة ٢٤٧ هـ، فلقد أراد أن يكفكف من غلواء العسكريين الأتراك الذين بدأ تسلطهم أيام المعتصم فلم يفلح.
وإن عصرا هذا وزنه لا نستطيع أن نلم بجميع الجوانب فيه بكلمة مستعجلة.
ويكفينا أن نذكر بشأنه الأمور المقررة الآتية:
١ - التناحر بين أفراد الأسرة الحاكمة كان على أشده.
٢ - سيطرة العناصر الأعجمية عموما والتركية خصوصا كان أمرا واضحا.
٣ - الثورات في أطراف الدولة الإسلامية.
٤ - الثورة في قلب الدولة وفي العراق بصورة خاصة.
٥ - الصراع النصراني - الإسلامي في الحدود الشمالية الغربية.
٦ - تسلط رجال الفرق الضالة على بعض الخلفاء وممارسة لون من الاستبداد الفكري ومقاومة العلماء وسجنهم.
٧ - قيام نزعات فكرية متعددة، وبعضها هدام خطير.