للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسترد رأس المال ورباه، سواء ربح المشروع أو خسر، ثم جاء الإسلام فحرم الربا مهما كان هدف القرض، ووجه بذلك ضربة قاضية إلى النظام الاقتصادي القائم.

إن أهمية (أحل الله البيع وحرم الربا) لم تقتصر على البيع وتحريم الربا، بل قلبت التفكير الاقتصادي عن دور رأس المال ودور التجارة رأسا على عقب؛ جاء الإسلام فشجع التجارة وبالتالي شجع عملية الإقراض ولكن بغير زيادة على رأس المال.

عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن السلف - أي القرض - يجري مجرى شطر الصدقة (١)»، وجاء في السنن لابن ماجه أنه قال: «ما من مسلم يقرض قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة (٢)»، وعن ابن مسعود أنه قال: (كل قرض صدقة) (٣).

وهكذا استمرت بعد الإسلام القروض بنوعيها - استهلاكية وإنتاجية - يقدمها أرباب المال بغير ربا، بدافع الإخاء الإسلامي والتعاون الإسلامي وما يرتجيه رب المال من ثواب على هذا الصنيع، بل ثبت أن بيت المال كان يخرج بغير ربا قروضا لمشروعات إنتاجية، وروى الطبري: أن هندا ابنة عتبة قامت إلى عمر بن الخطاب فاستقرضته من بيت المال أربعة ألاف درهم تتجر فهيا وتضمنها فأقرضها، فخرجت بها إلى بلاد كلب فاشترت وباعت، فلما أتت المدينة شكت الوضيعة - أي الخسارة - فقال لها عمر: لو كان مالي لتركته ولكنه مال المسلمين اهـ. إلى أن قال: ونحسب أنه بعد هذا البيان لم يبق محل للجدل في أن الربا الذي حرمه الإسلام يشمل القروض الإنتاجية والقروض الاستهلاكية على السواء، وأن القروض الإنتاجية كانت شائعة في العصر الجاهلي فجاء الإسلام يحرم الربا عليها كما حرمه على القروض الاستهلاكية.

وقبل أن نختم هذه الكلمة الموجزة عن الربا يجب أن نكشف عن العلة في تحرميه كشفا نهتدي فيه بعقلنا البشري، أما التحريم في ذاته فهو قائم لأنه أمر الله، الله الذي لا يريد لعباده إلا الخير وقد تقصر عقولنا البشرية عن إدراك مدى حكمته.


(١) رواه الإمام أحمد في المسند
(٢) سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٣٠).
(٣) رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية