للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبو داود ناقد كبير، وليس هذا غريبا على إمام من أئمة الحديث، لأن هذا العلم يربي في أتباعه حاسة النقد، وقد استطاع أن يبلغ مستوى راقيا من رهافة الحس ودقة النقد، وسنرى في دراستنا لكتاب " السنن " نماذج من نقده العميق، ولكنني هنا أود أن أشير إلى مجال سبق إليه أبو داود ويحسب بعض الباحثين أنه جديد وأن الأقدمين لم يعرفوه، وذلك هو نقد الكتابة وتقدير عمرها بالنسبة إلى الحبر القديم والحديث، يدل على ذلك خبر جاء في كتاب " الميزان " للحافظ الذهبي وهو:

(قال زكريا بن يحيى الحلواني: رأيت أبا داود السجستاني قد جعل حديث يعقوب بن كاسب وقايات (١) على ظهور كتبه، فسألته عنه فقال: رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول، فدافعنا، ثم أخرجها بعد، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري؛ كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها) (٢).

وتقدير العمر بالنسبة للحبر أمر يتصل بتقدير العمر بالنسبة إلى الورق ولا أستبعد أن تكون هناك حوادث من هذا القبيل في حياة صاحبنا العلمية، والله أعلم.

ومما يدل على مكانته العلمية ثناء العلماء عليه وسنذكر بعضه في الفقرة الآتية:


(١) أي أغلفة يغلف بها الكتب.
(٢) " الميزان " للذهبي ٤/ ٤٥١.