للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمومها لجميع أهل الكتاب من يهود ونصارى، إذ العبرة بعموم اللفظ ودلالة السياق تدل عليه أيضا، فإن النصارى زادوا وجاوزوا الحد في نبي الله عيسى فرفعوه عن منزلته، وإن اليهود جفوا وفرطوا في حقه فغلوا في الجفاء والتفريط وزادوا فيهما، حتى قذفوا أمه الطاهرة العذرية بما برأها الله تعالى منه.

ومن احتج على خصوص الآية بالنصارى بتقدم سياق الآيات السابقة لها في اليهود، وهذه الآية آخرها يدل على قول النصارى وكفرهم، زعمهم بالأكاذيب الثلاثة، فيجاب عليه بما سبق من عموم لفظة أهل الكتاب، وانطلاقه إلى اليهود والنصارى ما لم توجد قرينة ولم توجد، وباستمرار السياق في بني إسرائيل في هذه الآية وما قبلها يدل على العموم من اليهود والنصارى، إذ كل منهم غلا في دينه كما سيأتي تحديد الغلو، وقول كل منهم على الله غير الحق، فليس عيسى ربا أو ابنا لله، أو ثالث ثلاثة، وليس هو ابن فحش وزنا وبغاء.

ثم إن آخر الآية يختص بالنصارى من قول الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} (١) وذلك لعظم جرمهم في التوحيد؛ لأن عيسى نبيهم وهاديهم إلى الفطرة السليمة والملة القويمة، وأنهم هم من ادعوا فيه تلك الدعوى الظالمة، فكان آخر الآية مخصوصا بالنصارى لذلك.

ومنه آيات عديدة جاءت في النهي عن الطغيان وهو غلو في الغي كما قال تعالى في آخر سورة طه لبني إسرائيل: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (٢)


(١) سورة النساء الآية ١٧١
(٢) سورة طه الآية ٨١