للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتسويف، وما كلمات "استبقوا" و"سارعوا" ونحوها إلا تأكيد لهذه المعاني.

قال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (١) وأصل السبق: هو التقدم في السير. والمراد منه هنا المعنى المجازي، وهو الحرص على مصادفة الخير والإكثار منه، خشية هادم اللذات، وفجأة الفوات (٢).

وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (٣) والمسارعة: هي المبادرة أي الحرص والمنافسة في عمل الطاعات التي هي سبب المغفرة ودخول الجنة، حتى لكان كل واحد من الناس يسرع ليصل قبل غيره (٤).

وفي لفظتي "استبقوا" و"سارعوا" ما يشير إلى قيمة الزمن؛ فالعمر قصير، ولا يكفي المؤمن -إذا أراد الدرجات العلى- أن يفعل الخيرات وهو متراخ في ذلك، بل لا بد من الاستباق في الخير والمسارعة إلى المغفرة، بمعنى: أن يستغل كل لحظة من وقته للسير في


(١) سورة البقرة الآية ١٤٨
(٢) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج ٢، ص ٤٣.
(٣) سورة آل عمران الآية ١٣٣
(٤) انظر: ابن عطية: المحرر الوجيز، ج ١، ص ٥٠٧. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ٤، ص ٨٨.